انطلقت اليوم في الرياض أعمال النسخة التاسعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (FII9)، تحت شعار (مفتاح الازدهار)، في حدث عالمي يجمع القادة وصنّاع القرار والمستثمرين ورواد التقنية. وتأتي هذه النسخة في ظل تسارع الابتكار التقني والتحولات الرقمية، لتؤكد أن الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة لم تَعد خيارًا ثانويًا، بل أداة رئيسية لبناء اقتصاد مستدام وعادل.
وقد شهد اليوم الأول من المؤتمر حضور نخبة من رؤساء الدول، والوزراء، ومسؤولي صناديق الثروة السيادية، وكبار المسؤولين التنفيذيين من مختلف القطاعات، في منصة أصبحت مركزًا عالميًا للتحالف بين رأس المال والتقنية.
الحاجة إلى نموذج جديد للتعاون العالمي في عصر التحولات التقنية:
أكد معالي ياسر بن عثمان الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة ورئيس مجلس أمناء مبادرة مستقبل الاستثمار، في أن النماذج القديمة لم تَعد قادرة على مواكبة التحولات التقنية المتسارعة، التي يواجهها المستثمرون والشركات اليوم.
وقال الرميان: “قوة رأس المال التي يمثلها صناع القرار الحاضرون اليوم تُحتّم علينا مسؤولية كبرى، وتمنحنا في الوقت ذاته فرصة عظيمة لتشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي، وعلينا أن نغتنم هذه الفرصة دون تأخير”.
وشدد الرميان على أن العالم قد تغير جذريًا خلال الأشهر الاثني عشر الماضية؛ فالمستثمرون والشركات يواجهون اليوم واقعًا اقتصاديًا جديدًا وتحولات تقنية متسارعة، في وقت لم تَعد فيه النماذج القديمة، التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة قادرة على مواكبة المستقبل.
وخلص إلى أن تصحيح المسار لا يمكن أن يحدث بجهود منعزلة: “لا تستطيع الحكومات تصحيح المسار بمفردها، كما لا يستطيع القطاع الخاص أن يتحمّل العبء وحده. الحل يكمن في اتحاد الجهود بين الحكومات والقطاع الخاص بصفتهم شركاء حقيقيين، ونحن بحاجة ماسة إلى نموذج جديد، وإلى تعاون عالمي يواكب حقبة جديدة من الازدهار المشترك”.
الذكاء الاصطناعي وتحديات الفجوة التعليمية وعدم المساواة:
شغل الذكاء الاصطناعي حيزًا مهمًا في خطاب الرميان اليوم أيضًا، فقد سلط الضوء على دوره كأداة محتملة لسد الفجوة، وفي الوقت ذاته، كعامل خطر قد يزيدها اتساعًا.
فقد أشار الرميان إلى ثلاثة من كل أربعة أشخاص يخشون أن يؤدي التطور السريع في الذكاء الاصطناعي إلى توسيع الفجوة التعليمية بين المجتمعات الغنية بالفرص والمجتمعات التي تفتقر إليها. ويضع هذا القلق العميق مسؤولية أخلاقية وتقنية على عاتق المطورين والمستثمرين لضمان أن تكون التقنية في متناول الجميع، وتصميم حلول ذكاء اصطناعي تعليمية وصحية يمكن تعميمها.
وناشد الرميان الحكومات والقطاع الخاص للعمل معًا لتسخير رأس المال العالمي في تحقيق الأمن والاستقرار واستحداث الفرص. موجهًا رسالة قوية للحكومات: “نحن بحاجة إلى أسواق مفتوحة لا مقيدة، وإلى تنظيم ذكي لا إفراط في التنظيم”.
وأوضح الرميان أن مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، يمثل المنصة المثلى لتسخير التقنيات المتقدمة لتحقيق ازدهار شامل ومستدام، موضحًا أن صفقات المبادرة منذ تأسيسها قبل أقل من عقد تجاوزت قيمتها 250 مليار دولار، وهو مؤشر على قدرة الفضاء الاستثماري على ترجمة الأفكار التقنية إلى تأثير ملموس عالميًا.
رؤية 2030.. المملكة ترسم معيارًا عالميًا جديدًا في التحول الاقتصادي:
أكد الرميان أن المملكة، تحت قيادة صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وضعت معيارًا عالميًا جديدًا في التحول الاقتصادي عبر رؤية 2030، التي فتحت آفاقًا واسعة للأجيال القادمة.
وبعد مرور تسع سنوات على إطلاق الرؤية، النتائج تتحدث عن نفسها: “مدن جديدة، وصناعات جديدة، ومنظومات متكاملة، وسلاسل إمداد مبتكرة”. وفي العام الماضي وحده، نما الاستثمار الأجنبي بنسبة بلغت 24% ليصل إلى 31.7 مليار دولار أمريكي، وهو انعكاس للثقة الدولية بقدرة المملكة على قيادة التحول الرقمي والابتكار التقني.
وأعلن الرميان بوضوح: “لقد قدّمنا المملكة للعالم، والآن العالم يأتي إلى المملكة”، مستشهدًا بمبادرة مستقبل الاستثمار السنوية، وإكسبو 2030، وكأس العالم لكرة القدم 2034.
واختتم الرميان كلمته بالتأكيد أن الثروة في المملكة العربية السعودية لا تُقاس بالأرقام، بل بازدهار الإنسان. ودعا إلى اغتنام الفرص المتاحة في الرياض لإبرام شراكات عابرة للحدود تحدث أثرًا حقيقيًا. مؤكدًا أن المبادرة ستختتم فعالياتها بـ “إعلان يوحّد قادة العالم في سعي مشترك إلى التقدم للجميع”.
التقنية كحل لتحديات التنمية البشرية:
شدد ريتشارد أتياس، الرئيس التنفيذي لمؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار، في كلمته الترحيبية، على أن النسخة الحالية تركز على الأفكار التي تدعم الحركة الجريئة في الصحة والذكاء الاصطناعي والتنمية البشرية، مما يؤكد أن المحور التقني للمؤتمر سيتجاوز مجرد الاستثمار المالي ليشمل الاستثمار في حلول التقنية للتنمية المستدامة.
وأشار أتياس إلى أن حلم إنشاء المبادرة كان يقوم على أساس جمع صانعي القرارات العالميين ليس للتنافس، بل للتعاون، وليس لمجرد الحديث عن المستقبل، بل لتشكيله فعليًا. وأكد أن نسخة هذا العام تحقق رقمًا تاريخيًا بوصولها إلى 9000 وفد، بما يشمل: 2000 ممثل إعلامي من كافة أنحاء العالم.
واختتم أتياس كلمته بالقول: “مبادرة مستقبل الاستثمار تنتمي للجميع، وهي قوة تأتي من العمل الجماعي”. لافتًا إلى أن نجاح المبادرة مرهون بمشاركة الجميع في صناعة هذا التحول، ومُعلنًا الكشف عن مسارات جديدة للتمويل، والإبداع، والشجاعة خلال الأيام القادمة.
مبادرة مستقبل الاستثمار.. كيف نستثمر في التقنيات المتقدمة؟
يشكل مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في نسخته التاسعة، نقطة تحول إستراتيجية، فالتركيز لم يَعد على “ماذا نستثمر”، بل على “كيف نستثمر في التقنيات المتقدمة لخدمة البشرية”.
ويكمن الرهان الأكبر في قدرة القادة الحاضرين على تحويل القلق الجماعي من الذكاء الاصطناعي وفقدان الوظائف إلى تفاؤل مستدام عبر إبرام شراكات تضمن توزيع عوائد التقدم التكنولوجي بنحو عادل وشامل، إذ إن المسارات الجديدة للتمويل والإبداع التي سيُكشف عنها في الأيام القادمة لن تكون مجرد صفقات؛ بل ستكون هي المعيار الذي سيحدد التزام القادة بتوظيف التقنيات المتقدمة لخدمة الإنسانية جمعاء.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية




