أن تكون عونياً مرة يعني أن تبقى دائماً عونياً، إلا في حالات نادرة جداً تمكّن فيها بعض السياسيين والناشطين والصحافيين والمواطنين الصالحين من تخطّي العقدة النفسية والسياسية والاجتماعية والثقافية العونية وإكمال حياتهم بشكل يشبه سائر البشر العاديين. بعد إسقاط الوصاية الأمنية وخروج الجيش السوري من لبنان، وعلى مدى أكثر من عقد ونصف، درجت صفة العوني السابق في مجالس السياسة اللبنانية. مسؤولون وكوادر حزبيين وناشطون طردتهم القيادة العونية من التنظيم العوني، فأخرجوا منه لكن بقيت صفة "العوني" تلتصق بهم. عوني سابق، أو على ما يشاع في الأوساط العونية، ex تيّار.
أبزر الأمثلة على ذلك، حالة ابن شقيق مؤسس التيار، نعيم عون المرشّح اليوم عن المقعد الماروني في دائرة بعبدا. نعيم عون، طُرد من التيار الوطني الحرّ قبل عقد تقريباً، إلا أنه حافظ وآخرين على رابط العوني السابق، ومنه انطلقوا لتأسيس حيّز سياسي خاص هدفه الأول والأخير والدائم والمستمرّ إثبات النفس للرئيس المؤسس القائد المقدام الجنرال ميشال عون. كل حركة العونيين السابقين تتزاحم من أجل إثبات نفسها، علّها تعيد فتح الباب أمام نفسها للدخول إلى التيار والجلوس مع قيادته على الطاولة نفسها والمشاركة في القرارات والحصص والمواقع. فوجاهة العونيين مطلوبة كما في مختلف الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى.
يخوض نعيم عون انتخابات 2022 إلى جانب مجموعة من العونيين السابقين تتمثّل برمزي كنج، وجان أبي يونس والعميد المتقاعد خليل حلو. تجمع هؤلاء صفة العوني السابق، ولا تفرّقهم عن العونيين الحاليين أي العونيين الباسيليين تحديداً سوى مشكلة شخصية مع أو ضد رئيس التيار الحالي، والطموح بلعب الأدوار السياسية والتنظيمية في مواجهة القيادة الباسيلية. أما خارج هذه الأزمة، فالشبه والتناغم والتناسق كامل.
وعلّ أبرز مكامن الشبه، السعي إلى تسيّد اللوائح والمواقع والتربّص بأي مشروع انتخابي قد يختلف أو يتمايز عن هذه المجموعة. فكان إعلان لائحة العونيين السابقين مجرّد إعلان نسف إضافي لإمكانية توحيد لوائح قوى المعارضة في منطقة دائرة بعبدا. فتتمّ الإطاحة بوحدة اللوائح على حساب تمسّك العونيين السابقين بالترشّح ضمن لائحة واحدة نتائجها لن يكون سوى في تشتيت إضافي للأصوات المعارضة للسلطة السياسية بمختلف مشاربها من ثنائي حركة أمل وحزب الله وتحالفه مع التيار الوطني الحرّ، وصولاً إلى القوات اللبنانية. يمكن للتيار الوطني الحرّ اليوم وأمس وغداً أن ينسف تحالفاً انتخابياً أو تشكيل حكومة وطبخة تعيينات ديبلوماسية أو تشكيلات قضائية بهدف المحافظة على مواقعه ومطالبه. الأمر نفسه بالنسبة لنعيم عون وسائر العونيين السابقين، فأن تكون عونياً مرّة يعني أن تبقى دائماً عونياً.
