كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:
بعد عامين على عملية “طوفان الأقصى” وعام على اغتياله، السؤال الأهم الذي لا يزال يطرحه من تبقى من قادة “حزب الله” هو عن السبب الذي جعل أمينه العام السيد حسن نصرالله يبقى في مقرّه في حارة حريك على رغم إدراكه أنّه قد يكون هدفًا لإسرائيل. بعد اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر وقائد الرضوان ابراهيم عقيل مع عدد من قادة أركانه في الضاحية الجنوبية، وبعد تفجيرات البيجر التي كشفت أن إسرائيل تعيش في بيت “الحزب” وتعرف كل شيء عنه، ألم يكن من الأفضل لنصرالله الانتقال إلى مكان آخر خارج الضاحية؟ وهل أيقن نصرالله أنه لم يعد لديه مكان آمن؟
أكثر من مرّة تحدّث أكثر من مسؤول إسرائيلي عن أن إسرائيل تعرف مكان السيد حسن نصرالله وقادرة على اغتياله في أي وقت. ولكن يبدو أن فائض الثقة بالنفس وبقدرات “الحزب” والسيّد أعمى البصيرة وألغى التقدير الصحيح للوضع واستبعد أي احتمال من هذا النوع على قاعدة أن إسرائيل تخوض حربًا نفسية ضدّ “الحزب” وسيّده وتهوّل عليهم، وهي غير قادرة على اغتياله لأنّها تخشى ردّ الفعل الناتج عن خوفها من امتلاك “الحزب” أسلحة مدمّرة قد تقضي عليها. ولكن ظهر أنّ تقديرات “الحزب” كانت خاطئة وأنّ التهويل الإسرائيلي كان حقيقة.
في حديث إلى قناة الميادين في 3 آذار 2025 يروي النائب السابق في “حزب الله” نوّاف الموسوي تفاصيل عن الضربات التي تعرّض لها حزبه في الحرب منذ 7 أوكتوبر 2023 معتبرًا أنّ إسرائيل لم تكن لتتفوّق على “الحزب” إلا بسبب التقصير الذي اعترى طريقة عمل “الحزب” في المواجهة. من هذه المآخذ التي حكى عنها الموسوي مسألة بقاء السيّد حسن نصرالله في مقره في الضاحية. قال إنّه لم يكن يتصوّر أنّه موجود في الضاحية وكان يعتقد أنّه انتقل إلى مكان آمن سرّي. مشيرًا إلى مسؤولية من يتولّون أمن “الحزب” وسيّده قال الموسوي إنّه لو كان الحاج عماد (مغنية) حيًّا لما كان سمح لنصرالله بالبقاء في مقرّه لأنه معرّض للاغتيال بعد انكشاف “الحزب” أمنيًا لأنّ تقدير هذا الأمر لا يكون على عاتق الشخص المعني، أي نصرالله، بل على المسؤولين عن أمنه الذين كان يجب أن يقرروا أي مكان هو الأكثر أمانًا. وأعطى الموسوي مثلًا عمّا حصل في حرب تموز 2006 عندما اضطر عماد مغنية إلى نقل نصرالله وقائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، من غرفة العمليات إلى أمكنة أخرى تلافيًا للقصف الإسرائيلي.
قاسم وكثيرون ما كانوا يعلمون
لم يكن نوّاف الموسوي وحده الذي يجهل مكان نصرالله. نائبه الشيخ نعيم قاسم، الذي صار أمين عام “الحزب” بعد اغتيال نصرالله ثم السيد هاشم صفي الدين، قال في مقابلة على قناة الميادين في 8 تموز 2025: “استشهاد… السيد حسن… لم يكن مفاجئًا للعالم كلّه فقط، نحن كان مفاجئًا لنا أيضًا… ما كنّا نتوقع نحن أنّ سماحة السيّد يُستشهد في هذا الوقت… أنا على المستوى الشخصي رحت أتساءل صحيح استشهد؟ يا عمّي ربّما الخبر غير صحيح، ربّما عندما يحفرون يجدون أنّه في غرفة مثلًا لم يصله (عصف القنابل)، إلى أن أكّد الإخوة في اليوم التالي أن هذا الجثمان أخرجناه. حقيقة أصعب شيء علينا بالموقع الذي نحن به أنّه كيف نتابع بعده، لأنّه لا يوجد عندنا شهادة توقِف مسيرة، عندنا شهادة تغذّي مسيرة…”.
كان آخر اتصال تلقّاه قاسم من نصرالله بعد اغتيال ابرهيم عقيل ورفاقه طالبًا منه أن يؤمّ الصلاة على أرواحهم لأنّهم من القادة في “الحزب”. وكان نصرالله بعد تفجيرات البيجر قد اتخذ تدابير أمنية إضافية بعد حديثه عن الدائرة الضيقة في “الحزب” لأنّه أدرك أنّه تعرّض لاختراق كبير. لم تكن تفجيرات البيجر هي المؤشّر الأوّل ولكنّها كانت بالنسبة إليه المؤشر الحاسم. بعد اغتيال فؤاد شكر في 30 تموز أيقن نصرالله أنّه مكشوف أمنيًا. فشكر كان يحظى بالسرية المطلقة التي يتمتّع بها نصرالله، وهو من الجيل المؤسّس الذي رافقه منذ انطلاقة “الحزب”، وكان موضوعًا على لائحة العقوبات الأميركية، ومن المفترض أن لا يعلم أحد بوجوده، قبل أن يعلم حتى بمكانه. ومع ذلك اغتالته إسرائيل في قلب الضاحية وفي مكان قريب من حيث كان نصرالله، وربما بعد اتصال تمّ بينهما.
عندما جمّد نصرالله عمل قياديين
رئيس تحرير جريدة “الأخبار” ابراهيم الأمين، يروي في مقال له عن السيد هاشم صفيّ الدين منشور في 4 تشرين الأول الحالي، في الذكرى الأولى لاغتياله، طريقة تعاطي “الحزب” ونصرالله مع الاختراقات الأمنية التي لم يجدوا تفسيرًا لها. يقول: “بعد اغتيال القائد الجهادي فؤاد شكر، صيف (31 تموز) عام 2024، انتقل “حزب الله” في إجراءاته إلى مستوى جديد. كان الجميع في حالة حيرة إزاء فهم عقل “الحزب” في هذه المرحلة”… وبعد الإشارة إلى قرار “الحزب” بالردّ على اغتيال شكر يتطرق إلى لجان تحقيق: “…الأمر بات رهن ما تقوم به لجان التقييم والتحقيق التي شكّلها “الحزب” بعد توقّف الحرب. علمًا أنّ جانبًا من هذه اللجان، كان يفترض أن ينطلق مباشرة بعد تنفيذ العدو لعملية البيجر، عندما اتخذ الشهيد السيد حسن نصرالله قرارات بتجميد عمل بعض كبار المسؤولين، وطلب المباشرة في التحقيق لمعرفة ما الذي حصل. لكنّ، توسع الحرب وتدحرجها السريع، أخذ الأمور صوب مكان آخر”… قبل ذلك لم تكن هناك معلومات عن هذا القرار وعن الأشخاص الذين شملهم.
صفيّ الدين يسأل كيف علمت إسرائيل
يتابع الأمين: “في تلك المدة، كان السيد هاشم، في وضع خاص. الجميع يعرف بأنّه الرجل المرشّح لتولّي مهمّات الأمين العام في حال أصاب السيد نصرالله أي مكروه… يوم قرّر “حزب الله” الرد على اغتيال شكر، صار نقاش كبير حول الأمر. وحول الطريقة ربطًا بتقدير “الحزب” للأمور عسكريًا وسياسيًا. وبعد تنفيذ العملية (عملية يوم الأربعين) أواخر آب 2024، انتقل السيد هاشم مثل بقية قيادة “الحزب”، إلى مستوى جديد من الإجراءات الأمنية. صارت اجتماعاته محصورة في مناسبات محدّدة وفي أمكنة مختلفة أيضًا. حتى إجراءات الأمن الخاصة به، تمّ تعديلها بشكل ملحوظ… قبل أيام قليلة من عملية البيجر، التقينا في مكان جديد لم أزره من قبل. كان السيد هاشم مهجوسًا بالجانب الأمني من المعركة… وفي معرض شرحه، تطرّق السيد هاشم إلى “عملية يوم الأربعين” التي حصلت ردًّا على اغتيال شكر، استنفرت كلّ حواسه وهو يقول: “تعرف، لقد اتخذنا إجراءات دقيقة جدًّا في اختيار العمل، واتفقنا على آلية تسليم القرار التنفيذي إلى المعنيين. ورتبنا كل شيء بطريقة خاصّة، بما في ذلك تحديد الساعة والدقيقة التي تقرّر أن تنطلق فيها الصواريخ والمسيّرات. تمّ تضييق دائرة المطّلعين على التوقيت الفعلي، ثمّ اعتمدنا آلية جديدة لإيصال القرار إلى المعنيين بالتنفيذ. كنا نفترض أنّه سيكون من الصعب على العدو فهم ما يحصل بالضبط. صحيح، أنّ العدو أظهر لنا عن قدرات رقابة تقنية عالية جدًّا، وهو ما كنا فهمناه جرّاء عمليات اغتيال الكوادر والمقاتلين خلال حرب الإسناد. لكن، ليس عندنا ما يحسم الجدل حول الاختراق البشري…فجأة يصمت السيد هاشم ليُضيف: “لكن، يبدو أن العدو علِم بالتوقيت الدقيق للعملية…كيف حصل ذلك؟”…
وفيق صفا يبحث عن السيّد
صفيّ الدين نفسه لم يكن على علم بمكان وجود نصرالله. رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا أيضًا لم يكن يعلم. يروي في الوثائقي الذي أعدّته قناة “الميادين” عن السيد صفيّ الدين في الذكرى الأولى لاغتياله “حكيتو للسيّد صفيّ الدين وبلّغتو عن استشهاد سماحة السيّد. لأنّو أنا بعتت شخص من عندي لحتى يتأكّد. هونيك في شباب لحماية السيّد قالوا السيّد تحت. بس كمان كان بدّو يتأكّد. بدّو حدا يشوف، يتأكّد. بالحقيقة كلّف الشهيد الحاج عادل يروح لأنّو بيعرف الأماكن كلّها. راح وشاف وإجا لعند السيّد هاشم وقال له استشهد السيّد…”.
عائلة السيّد علمت من الأخبار
الحاج عادل، هو الاسم الحركي للقيادي في “حزب الله” محمد علي بحسون. وبحسب موقع “i24″، “كان مسؤولًا عن الوحدة المختصّة بالبناء والتخطيط وصيانة العقارات الاستراتيجية، قواعد عسكرية، منشآت عسكرية ومخابئ التنظيم وإخفائها، وكان هو أيضًا من خطّط وبنى مقر قيادة “حزب الله” تحت الأرض في الضاحية الجنوبية الذي استهدفه الجيش الإسرائيلي”. الحاج عادل قتل لاحقًا مع السيّد صفيّ الدين.
بمساعدة الحاج عادل ومن يعرفون تفاصيل الأنفاق، التي بقي على ما يبدو أحدها غير مدمّر بالكامل، تمّ الوصول إلى مقرّ نصرالله. هنا تبدأ رواية المسعفين المزوّدين بالأوكسيجين، الذين وصلوا إلى المكان ووجدوا السيّد وقد فارق الحياة.
عائلة السيد نصرالله لم تكن على علم بمكان وجوده أيضًا. في إطلالات كثيرة لابنه جواد كشف أنّهم كانوا مع النازحين في منطقة لا يمكن أن يكشفوا فيها عن هوياتهم، وأنّهم لم تكن لديهم هواتف خليوية، وأنّهم علموا بالخبر كما غيرهم من الأخبار واستمعوا إلى بيان النعي الذي صدر عن “الحزب”، ولم يكن بإمكانهم التعبير عن حزنهم لهذا المصاب الكبير وغير قادرين حتى على الصراخ.
إذا كان كل هؤلاء لا يعلمون فكيف علمت إسرائيل؟