كتب مروان الشدياق في “نداء الوطن”:
بين رجاءٍ يتقدّم وخريطةِ محطّاتٍ دقيقة، أعلن المركز الكاثوليكي للإعلام البرنامجَ الرسمي لزيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان الممتدّة من الأحد 30 تشرين الثاني إلى الثلثاء 2 كانون الأول 2025، في مؤتمرٍ صحافي شارك فيه السفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، مطران جبيل الماروني المنسّق الكنسي للزيارة ورئيس الهيئة التنفيذية لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان المطران ميشال عون، رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران أنطوان نبيل العنداري، ومدير المركز المونسنيور عبدو أبو كسم، بحضور أساقفة وممثلي الكنائس الكاثوليكية وحشد من الإعلاميين. وقد تأكّد ما كانت “نداء الوطن” قد نشرته سابقًا عن محطّات الزيارة، مع إضافة تفاصيل تنظيمية وروحية بارزة.
“زيارة من القلب” ورسالة سلام
المونسنيور باولو بورجيا شدّد على أن اختيار لبنان “زيارة من القلب”، قائلًا: “ليست هناك مناسبة احتفالية خاصة، بل رغبة لدى قداسة البابا بأن يأتي إلى بلدٍ تألّم كثيرًا، حاملًا رسالة سلام تحت الشعار الإنجيلي: طوبى لفاعلي السلام”. وأضاف: “أولى كلمات البابا بعد انتخابه كانت: السلام عليكم والسلام معكم. هذا النَفَس يشكّل نواة برنامجه. التقيتُه مطلع حزيران، وأبلغني بعد أسبوعين بقراره زيارة لبنان. إنها علامة محبّة ورجاء ودعوةٌ إلى البناء المشترك للسلام”.
وعن محاور الزيارة، أوضح السفير البابوي أنها تجمع بين الاستحقاقات البروتوكولية والكنسية، لافتًا إلى ثلاث محطّات لافتة: “الصلاة عند ضريح القديس شربل في عنايا باعتباره رمزًا روحيًا تخطّى حدود الكنيسة إلى رحاب كل اللبنانيين، وزيارة مستشفى دير الصليب تضامنًا مع المتألّمين ودعمًا للطاقم الطبي، ثمّ الوقوف بصمتٍ في موقع انفجار المرفأ تكريمًا لذكرى الضحايا ومشاركةً في الألم”. وختم: “البرنامج حافل، والبابا شابٌّ في روحه، يلتقي في لبنان كلَّ الفئات، ومن قلب بيروت سيُرفع صوت العيش المشترك في لقاءٍ مسكوني – حواري جامع”.
لوغو الزيارة… أرزةٌ وصليبُ يوبيلٍ وحمامةُ سلام
المطران ميشال عون عرض الشعار الرسمي: “قداسة البابا في الوسط يرفع يده بالبركة، وحمامةٌ بيضاء وراءه علامة سلام، وأرزة لبنان تجذرَ وانتماء، وإلى جانبها صليب يوبيل الكنيسة الكاثوليكية لعام 2025 رجاءً نثبت عليه وسط العواصف. ألوان الشعار من العلم اللبناني مع الأزرق الذي يوحي بالطمأنينة”. وأكّد: “اختيار قداسة البابا أن تكون أولى زياراته الرسولية إلى لبنان يعني أنه يشعر معنا ومع آلامنا. ندعو جميع اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، إلى استقبال البابا بمشاركةٍ كثيفة في قداس بيروت ولقاء الشبيبة في بكركي وعلى طول الطرقات”. وذكّر بأنّ الحكومة أعلنت الإقفال في 1 و2 كانون الأول لتسهيل المشاركة.
تنظيميًا، أعلن عون إطلاق Google Form عبر الأبرشيات والرعايا لإحصاء الأعداد وتوزيع البطاقات وتأمين النقل “بتعاون كامل مع اللبنانية الأولى والقصر الجمهوري”. وردًّا على سؤال “نداء الوطن” حول احتمال سوء الطقس يوم القداس في “الواجهة البحرية”، قال: “سيوزَّع ponchos على الحاضرين منعًا للتبلّل”، كاشفًا أنّ القدرة الاستيعابية تقدَّر بـ 60 ألفًا جلوسًا و40 ألفًا وقوفًا. كما كشف لـ “نداء الوطن” عن إعداد منصّة مع Virgin Ticketing لحجز أماكن المؤمنين سيُعلن عنها لاحقًا.
السفير البابوي: السلام خيارٌ لا بديل عنه
وفي حديث لـ “نداء الوطن” أكّد السفير البابوي المطران باولو بورجيا أن “منذ بداية حبريّته والبابا يتحدّث دائمًا عن السلام. الحاجة إليه ملحّة اليوم، ليس في لبنان فقط، بل في الشرق الأوسط وأوكرانيا وكثير من بؤر النزاع. تحدّث البابا فرنسيس عن “حرب عالمية ثالثة مجزّأة”. لبنان تحديدًا بحاجة إلى السلام، ومع ذلك يمكننا العمل له: أن نتكلم عنه، وندعو الناس إليه. بعد الحرب يأتي السلام، ويزهر ما بعد الموت. لذلك يبقى الالتزام بالسلام الخيار الأفضل”.
وعن سبب اختيار البابا الوقوف في موقع انفجار مرفأ بيروت، كشف بورجيا أنه “منذ الساعات الأولى للحادثة، كان قرب البابا فرنسيس وصلاتُه حاضرة في كل 4 آب. استقبل وفودًا من عائلات الضحايا، وأوفد أمين سرّ الدولة إلى بيروت. الانفجار لم يَمسّ لبنان وحده، بل رجَّ العالم. فوقفة البابا لاوون الرابع عشر هناك صلاةٌ واحترامٌ للضحايا، وتقاسمٌ للألم معهم”.
المطران ميشال عون: مار شربل صار “رمز لبنان”… و”دير الصليب” بُعدٌ إنساني
شدّد المطران ميشال عون، في حديثه إلى “نداء الوطن”، على أن اختيار ضريح القديس شربل ليس تفصيلًا بروتوكوليًا بل علامة روحية مقصودة، إذ “صار مار شربل رمزًا للبنان، لا للأرزة فقط”، بما يحمله من فرادة تتجاوز العجائب إلى عمق الروحانية، وقد لقيت الفكرة فور طرحها ترحيبًا في الدوائر الفاتيكانية. وعلى المنحى نفسه، تكتسب محطة مستشفى دير الصليب بُعدًا إنسانيًا صميمًا، يعبّر عن حضور الكنيسة إلى جانب المتألّمين ودعم الطاقم الطبي في رسالته الصعبة.
تنظيميًا، أوضح عون أنّ التنسيق يجري عبر لجنتين تلتقيان دوريًا: اللجنة الكنسية برئاسته واللجنة الوطنية برئاسة السيدة الأولى نعمت عون، مع اجتماعٍ اليوم الأربعاء في القصر الجمهوري لمواكبة التفاصيل. أمّا في ما خصّ ضيق الأماكن وكثرة الراغبين بالمشاركة في القداس الإلهي في واجهة بيروت البحرية، قال عون “البيت الضيّق بِساع ألف صديق ومحب”، داعيًا الجميع إلى النزول والمشاركة، أسوةً بساحة القديس بطرس حيث يشارك من تعذر عليه الدخول من خارج الساحة، “وهكذا نُظهر محبتنا للبابا”.
اللبنانيون إذًا على موعدٍ مع حجّ بابويّ إلى الوجدان قبل المكان. من عنايا إلى حريصا، ومن بكركي إلى ساحة الشهداء، ومن جلّ الديب إلى مرفأ بيروت فالواجهة البحرية، سيُرفع دعاء السلام وتُستعاد ذاكرة الرجاء. وعلى مدار ثلاثة أيام، سيقرأ خليفة بطرس في وجوه اللبنانيين حكاية وطنٍ “تألّم كثيرًا” ولا يزال ينهض. نحن، بكل طوائفنا وانتماءاتنا، نتهيّأ لنردّد مع ضيف لبنان: “السلام معكم”… ولنهتف من القلب: أهلًا وسهلًا بقداستكم في 30 تشرين الثاني!




