كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يصرّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون على سلوك طريق المفاوضات حيث لا تاريخ محدّدًا لانطلاقتها حتى الساعة. وطالما الأمور لا تزال في دائرة الغموض، فهذا يعني عدم سلوك هذا المسار طريقه نحو التنفيذ إلا بعد موافقة الأطراف المعنية.
يُطرح ما تبقى من سلاح لـ “حزب الله” على طاولة أي مفاوضات مقبلة. تل أبيب إذا أرادت التفاوض، فلأنها ترغب بإراحة ماكينتها العسكرية وعدم دفع تكاليف حرب جديدة، وبالتالي، لن تسير أي مفاوضات إذا لم يتعهّد لبنان بنزع سلاح “الحزب” ومنع أي ظهور ميليشياوي مسلّح في الجنوب وبقية المناطق اللبنانية.
ولا تستطيع الدولة اللبنانية الذهاب إلى أي حفلة تفاوض من دون أخذ ضوء أخضر من “حزب الله”، وحتى الساعة تتصرّف الدولة مع “الحزب” وكأنه لا يزال القوة الحاكمة على الأرض وصاحب القرار الأول في الجمهورية اللبنانية، لا تسير أي تعيينات بلا موافقته، ويريد الاحتفاظ بكامل الحصة الشيعية مع حركة “أمل”، ويُمسك بمفاصل الدولة، وإذا كان يتصرّف هكذا بالملفات الداخلية، فكيف الحال بالنسبة إلى سلاحه الذي يُعتبر سحبه كقطع رأسه.
ويعمل “حزب الله” على مسألة شراء الوقت، وهذه السياسة يتقنها اللاعب الإيراني جيدًا، وهو الذي يدير سياسة “الحزب” في هذه الفترة بعد اغتيال أمينه العام السيّد حسن نصرالله، وتلقيه ضربات موجعة والقضاء على هرم القيادة السابقة.
ويمنح “حزب الله” الحجج والذرائع لإسرائيل لكي تستأنف حربها، ويُروّج لسرديّة استعادة قوته وعافيته وتسلّحه، وتساعده تل أبيب في هذه السرديّة، وتنظم حملة ترويجية في هذا السياق، ما يُشكّل مقدمّة لضربه وضرب لبنان معه وإدخال البلاد في آتون حرب جديدة.
وبين قرارات الحكومة في جلستَي 5 و 7 آب، والحديث عن انطلاق مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، يبقى السؤال عن تنفيذ القرارات الحكومية المتخذة والمتعلّقة بمسألة حصر السلاح بيد الشرعية. وتُسيطر البرودة على موقف الحكومة والدولة اللبنانية، فكل ما يقوم به الجيش اللبناني هو في منطقة جنوب الليطاني، أما بالنسبة إلى شمال الليطاني وكل مناطق لبنان، فلا يزال “حزب الله” يتحرّك براحة مطلقة من دون حسيب أو رقيب.
ويبدو أن الدولة اللبنانية تعمل على شراء الوقت أيضًا بانتظار حصول أي متغيّر يريحها من همّ إزالة سلاح “حزب الله”، وتنسى أو تتناسى التهديدات الإسرائيلية اليومية والغارات من المسيّرات، ورسائل التحذير الدولية التي تصل إلى مسامع المسؤولين، ولعلّ كلام الموفد الأميركي توم برّاك هو أكبر تعبير عن معرفة واشنطن لبّ “خزعبلات” الطبقة السياسية اللبنانية وعدم رغبتها بفعل شيء لاستعادة سيادة الدولة والمباشرة بتنفيذ قرار حصر السلاح بيدها.
وبعدما كانت نهاية العام تاريخًا لحصر السلاح بيد القوى الشرعية، ها هو لبنان يفاوض على نهاية العام لحصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني فقط، وانكشفت الدولة اللبنانية بعد حصول جريمة مقتل الشاب إيليو أبو حنا في مخيم شاتيلا وطريقة تصرّفها. ويمكن القول بحسب المعلومات، أن لا نية للدولة بتوسيع رقعة حصر السلاح، واقتصارها على جنوب الليطاني فقط لا غير، وحتى في المخيمات الفلسطينية، فقد ظهرت بوضوح مسرحية تسليم السلاح وانفضحت أمام الرأي العام.
كان يتوجّب على الحكومة فور اتخاذها قرار حصر السلاح المباشرة بتنفيذه فورًا كي تتأكّد الجديّة الحكومية، لكن حديث الرئيس عون عن مفاوضات غير مباشرة، دفع الدولة إلى أخذ قسط من الراحة وترك الأمور تأخذ مجراها، وسط عدم الرغبة بالاصطدام مع “حزب الله” وتركه يفعل ما يشاء.
قد تكون المفاوضات أحد الحلول الممكنة والتي ينجم عنها اتفاق على تسليم السلاح، لكن هذا لا يعني تخاذل الحكومة عن تطبيق قراراتها، فماذا لو لم يوافق “حزب الله” على المفاوضات ورفض التسليم؟ وماذا لو لم توافق إسرائيل على هذا الأمر؟ وماذا سيكون موقف الدولة اللبنانية إذا قرّرت تل أبيب نزع ما تبقى من سلاح بالقوّة؟




