كتب صلاح سلام في “اللواء”:
شوارع بيروت مهدَّدة مرة أخرى بالغرق في أكوام من النفايات، كما لو أن البلاد أعلنت استسلامها أمام القمامة. رائحة الفشل تفوح من كل زاوية، من الساحات والشوارع المكتظة إلى الشواطئ التي كانت يوماً مفخرة هذا الوطن.
أزمة النفايات لم تعد مجرد خلل خدماتي، بل صارت فضيحة وطنية تكشف عجز الدولة، وتواطؤ مصالح السياسيين، وصمت المسؤولين الذين يتبادلون الاتهامات فيما تتكدّس الأكياس السوداء على أرصفة المدينة.
منذ أكثر من عقد، يعيش اللبنانيون في دوامة من الوعود والخطط الورقية. كل أزمة نفايات تتحوّل إلى بازار سياسي جديد، تُدار فيه الصفقات على حساب صحة الناس وكرامتهم. المطامر المؤقتة أصبحت دائمة، والروائح الكريهة صارت جزءاً من هواء الوطن. لا رقابة، لا محاسبة، ولا رؤية. إنها إدارة الانهيار لا إدارة النفايات.
قبل الحديث عن الاستراتيجيات الطويلة، لا بدَّ من إجراءات إسعافية لوزارة البيئة توقف الكارثة البيئية التي تتفاقم يوماً بعد يوم:
- إعلان حالة طوارئ بيئية وطنية بإشراف مباشر من رئاسة الحكومة.
- فرض الفرز من المصدر فوراً، مع توزيع حاويات مخصصة في الأحياء وإطلاق حملات توعية مكثفة.
- تفعيل مسؤولية البلديات ومنحها صلاحيات استثنائية لإدارة النفايات محلياً، بعيداً عن البيروقراطية المركزية.
- إغلاق المطامر العشوائية التي تلوّث المياه الجوفية، واستبدالها بمراكز معالجة مؤقتة تحت إشراف خبراء بيئيين.
هذه الخطوات ليست ترفاً، بل ضرورة وطنية عاجلة لإنقاذ ما تبقّى من صحة الناس وسمعة البلاد.
لكن لا يمكن للبنان أن يعيش إلى الأبد على المسكِّنات. المطلوب خطة وطنية شجاعة تضع حداً لهذا النزيف البيئي تأخذ بعين الإعتبار النقاط التالية:
- إنشاء معامل فرز وتدوير حديثة في كل محافظة، تُدار بشفافية وتخضع لمراقبة مستقلة.
- إطلاق شراكات مع القطاع الخاص لتطوير صناعة إعادة التدوير وتحويل النفايات إلى مصدر طاقة وفرص عمل.
- تبنِّي قانون وطني لإدارة النفايات الصلبة يحدد المسؤوليات بوضوح ويمنع أي استغلال سياسي للملف.
- تحويل التربية البيئية إلى مادة إلزامية في المدارس، لأن التغيير الحقيقي يبدأ من الوعي المبكر لطريقة التعامل الأفضل مع النفايات.
لبنان لا يحتاج إلى مؤتمرات جديدة، ولا إلى لجان تحقيق تُدفن تقاريرها في الأدراج. البلد يحتاج إلى إدارة سياسية صادقة تستأصل الفساد، وتضع الإنسان والبيئة في صدارة الأولويات. فبلد يُغرِق نفسه في النفايات لا يمكنه أن يدّعي أنه وطن الحضارة والفكر والثقافة. لقد آن الأوان أن يتحرّك المسؤولون في وزارة البيئة بفعالية، لا خوفاً من الروائح، بل خجلاً من أنفسهم!
أخبار متعلقة :