موقع دعم الإخباري

لماذا لم يلتقي الشيباني رئيس مجلس النواب؟

كتبت ندى أندراوس في “المدن”:

في خطوة ديبلوماسية هي الأولى منذ سقوط نظام بشار الأسد، وصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت في زيارة رسمية استمرت لساعات، وأتت استكمالا للقاء الرئيس جوزاف عون والرئيس السوري أحمد الشرع على هامش قمة الدوحة. الزيارة لم تكن عابرة أو تحصر في إطار بروتوكولي بحت؛ بل حملت أبعاداً سياسية واقتصادية وأمنية مهمة، وتوجّب على الأطراف اللبنانية والسورية التعامل معها في سياق حساس، إذ عكست الملفات التي نوقشت في الدوحة، من إعادة تفعيل العلاقات الثنائية، إلى التنسيق الاقتصادي والتجاري، مروراً بمسائل السيادة والتمثيل الدبلوماسي، مع ترجمة هذه النقاشات إلى خطوات عملية على الأرض.

هذه الزيارة أتت في لحظة إقليمية تتسارع فيها التطورات، مع توقّف الحرب في قطاع غزة، بدء خطوات رفع العقوبات عن سوريا، والدور السعودي النشط في رعاية العلاقات اللبنانية السورية، ما يجعل توقيتها إستراتيجياً، إذ يسعى كل طرف إلى تثبيت مكتسباته السياسية والاقتصادية على خلفية تحولات المنطقة المتسارعة، والعلاقات المرجو أن تترسخ بين لبنان وسوريا على قاعدة الندية ومن دولة إلى دولة.

اللقاءات واستثناء بري

شملت زيارة الساعات القليلة لقاءات مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ووزير الخارجية يوسف رجي، فيما لفت استثناء الشيباني من جدول أعمال المباحثات لقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. وتشير مصادر لـ”لمدن” إلى أن هذا القرار أتى ضمن الجدول المحدد من الجانب السوري، و”هو ربما يعكس موقف دمشق المسبق من حزب الله، وبالتالي من الثنائي أمل حزب الله للأسباب المعروفة.” مع العلم أن علاقة الرئيس بري بالنظام السابق ولاسيما طيلة سني الحرب منذ العام 2011 لم تكن في أحسن حالاتها، لا بل كانت بمثابة قطيعة غير معلنة.

فتح صفحة جديدة وتعليق المجلس الأعلى 

في المباحثات مع المسؤولين اللبنانيين شدّد الشيباني على أهمية فتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية، تقوم على الاحترام المتبادل وتبتعد عن إرث المرحلة السابقة والتعاون الاقتصادي والاستثماري. وأشار إلى رغبة دمشق في تعزيز مشاريع البنى التحتية المشتركة وتشجيع الاستثمار اللبناني في سوريا بعد سنوات من التراجع. كما أبلغ المسؤولين أن دمشق قررت تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري مؤقتاً، تمهيداً لإعادة صياغة الأطر المؤسسية بما يتناسب مع المرحلة الجديدة. وفي هذا الإطار، أوضح رئيس الجمهورية لوزير الخارجية السوري أن إلغاء لبنان للمجلس الاعلى يحتاج إلى قانون وأن الأولى هو استكمال التمثيل الديبلوماسي بين البلدين، مشيراً إلى أن لبنان عين سفيراً له في دمشق، فيما لم تحدد سوريا موعد تعيين سفير لها في بيروت. ولبنان ينتظر هذا التعيين لتنظم من خلال السفارتين علاقة دولتين فيما بينهما.

في معلومات “المدن” عن لقاء بعبدا، أن رئيس الجمهورية كان المبادر إلى إثارة ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية، بما فيها مزارع شبعا من دون أن يسميها بالاسم، مؤكداً أن هذا الملف يجب مقاربته بدقة وضمن الإطار القانوني والدبلوماسي، وإنهاء ملف قديم متشابك، بحسمه وحله تحفظ حدود البلدين وأمنهما.

كما تطرق الرئيس عون إلى قضية الموقوفين، مؤكدا على معالجتها وفق الأطر القانونية والتعاون القضائي بين الدولتين.

الزيارة الرئاسية المؤجلة

قبل أن تنتهي مباحثات بعبدا، سأل الوزير الشيباني الرئيس عون: “متى سنراك في سوريا؟”، فأجابه الأخير بأنّ المطلوب أولاً تشكيل اللجان المختصة لإعادة النظر في الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين، وتحديثها بما يتلاءم مع المتغيّرات الإقليمية والمرحلة الجديدة، ومعالجة الأمور العالقة، وأن يبت في موضوع التمثيل الدبلوماسي من الجانب السوري.

مع العلم أنّ الرئيس عون كان قد وجّه في وقت سابق، وفي خلال لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع على هامش قمة الدوحة، دعوة لزيارة لبنان، غير أنّ الشرع يومها لم يعطِ جواباً واضحاً حول إمكان تحديد موعد لتلك الزيارة، مفضّلاً ربما انتظار “نضوج الظروف السياسية المناسبة،” على حد تعبير مصادر مطلعة على الأجواء الرئاسية.

توقيت الزيارة… وماذا بعدها؟

تأتي زيارة الشيباني في لحظة لبنانية حساسة، مع تصاعد النقاش الداخلي حول موقع لبنان في الخريطة الإقليمية الجديدة، خصوصاً بعد تراجع نفوذ بعض القوى التقليدية وتقدّم الدور العربي في صياغة التوازنات. وبالنسبة إلى سوريا، فإنّ هذه الزيارة تمثّل خطوة أولى في مسار إعادة تطبيع العلاقات مع لبنان على أسس مختلفة، في ضوء التحديات الاقتصادية والأمنية المشتركة، من ملف النازحين إلى إعادة الإعمار وفتح المعابر التجارية.

وتشير مصادر مطلعة إلى أنّ المرحلة المقبلة ستشهد تشكيل لجان مشتركة لمراجعة مجمل الاتفاقيات الثنائية، وتحديد أولويات التعاون الاقتصادي والأمني، تمهيداً لانعقاد اجتماع موسّع على مستوى الوزراء في بيروت قبل نهاية العام الجاري، لوضع “خارطة طريق” جديدة للعلاقات بين البلدين.

من الوصاية إلى الشراكة 

بين حساسية التمثيل السياسي والطائفي داخل لبنان، وبين الفرص الإقليمية الجديدة التي تتيحها تحولات المنطقة، تبدو زيارة الشيباني الخاطفة إلى بيروت والتي كانت تطرح حول تأخرها العديد من الاسئلة، كبداية لصفحة جديدة في العلاقة اللبنانية السورية، قائمة على الاحترام المتبادل والسيادة الكاملة لكل من البلدين، والشراكة الاقتصادية والامنية لاسيما على الحدود وما تواجه تلك الحدود من تحديات أمنية معقدة، مع تأكيد لبنان في الوقت ذاته على سيادته ومصالحه الوطنية.

بهذه الزيارة، تحاول دمشق أن تفتح باباً جديداً في علاقتها مع لبنان، من موقع “الشريك” لا “الوصي”، فيما تبدو بيروت حريصة على تثبيت قواعد جديدة للتعامل، قائمة على مبدأ الندية والمصلحة المشتركة. وما بين التوجهين، تبقى العلاقة اللبنانية السورية أمام اختبار جديد: هل تنجح في تجاوز إرث الماضي وبناء علاقة مؤسساتية متوازنة، أم تعود الخلافات القديمة لتفرض نفسها على المسار الجديد؟

أخبار متعلقة :