أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “كلّ انتخاباتٍ مفصلية، ولي طلبٌ واحدٌ منكم، إن التزمناه ربحنا المعركة كلّها: إقناع الناس بأنّ مصيرهم بأيديهم. هذه أكبر معضلةٍ نواجهها. يأتي إليّ مسؤولون يسألون: «ماذا ستفعل الدول الكبرى وما رأيها؟» فأقول: «وما شأنك بالدول الكبرى؟ قل لي أنت، ماذا ستفعل هنا، وما هو رأيك أنت؟». فكما يصوّت الناس في الصندوق، كذلك يكون مستقبلهم”. وشدد على انه “يجب أن نُفهِم الناس هذه المعادلة: الصوت في الصندوق ليس مجرد معروف اجتماعي ولا ردّ جميلٍ أو خدمة، بل هو مستقبلُ أولادهم. مَن خدمك خدمةً، كافِئْه بسلة بيضٍ في اليوم التالي، لا بصوتك الانتخابي، فكل واحد منا يعطي على قدر استطاعته. من عزّاك عزِّه، من زارك رد له الزيارة، ولكن صوتك الإنتخابي ليس له، بل هو ملكٌ لأولادك وحقهم عليك ولمستقبل أفضل”.
كلام جعجع جاء خلال العشاء السنوي لمنسقيّة جبيل، الذي أقيم في المقر العام للحزب في معراب، في حضور: النائب زياد حواط، رئيس اتحاد بلديات جبيل فادي مارتينوس ونائبه بشير الياس، عدد من رؤساء بلديات ومخاتير المنطقة، المدبر العام في الرهبنة اللبنانية المارونية الأب طوني فخري، منسق منطقة جبيل في الحزب سافيو بركات، رئيس مصلحة الطلاب في الحزب عبدو عماد، رئيس مصلحة النقابات في الحزب طوني نون، السيدة ميشلين باسكال سليمان، المنسقين السابقين للحزب في المنطقة هادي مرهج وعبدو أبي خليل، السيد ميشال عيسى، الأستاذ علي المقداد، الدكتور جوزف خوري، وفاعليات اجتماعية واقتصادية وحزبيّة ورجال أعمال من منطقة جبيل.
وأوضح جعجع أنه “على المواطنين أن يخرجوا من هذه الأفكار الخاطئة، فإيّاكم أن تظنّوا أنّ الدول العظمى أقوى من اللبنانيين في لبنان. مصيرنا بأيدينا. فلا يجوز أن نشكو أربعة أعوام من الفساد وانقطاع الكهرباء وسوء حال الطرقات، ثم نعود لنصوّت لمن سبّبها. فالمجلس النيابي هو مركز القرار في الدولة، ينتخب رئيس الجمهوريّة، ويشكّل الحكومات، ويُسقطها. والتصويت لمرشّحين غير فاعلين أو للذين لا يقدّمون ولا يؤخّرون هو إضاعةٌ للأصوات. بل إنّ الأصوات غير المفيدة تضرّ أكثر من الأصوات الخاطئة، لأنها لأشخاص واعين للخطأ إلا أنهم يحرقون أصواتهم هدرًا”.
وضرب مثلاً من الطب لتفسير الأصوات غير المفيدة قائلاً: “بعض الفيروسات لا تضرّ الجسم مباشرة، لكنها تحتلّ مستقبلات الخلايا، فتمنع الهرمونات من أداء دورها وتقيم محلَّها، فلا هي تفيد الخليّة ولا تدع غيرها يُفيدها فتموت الخلية. كذلك في السياسة: بعض الأصوات لا تؤذي مباشرة، لكنها تشغل موقعًا كان يمكن أن يشغله من يستطيع أن يُحدث فرقًا، فتشلّ الحياة السياسية”.
وأكّد أن “ما يقوله ليس مردّه مسألة ربح نائب من هنا أو هناك، القضية ليست أن نزيد عدد نوابنا، بل أن نزيد قدرتنا على التأثير في القرار الوطني وبالتالي في مسار الأمور. لسنا طلابَ مناصب، فقد عشنا عقودًا بلا مناصب ولا وزارات ولا مقاعد، وواصلنا العمل نفسه بالإيمان نفسه. القضية هي خلاص الناس وبلدهم، والخلاص بأيديهم. صدقوني، مواطنٌ واحدٌ مع آخر، وعلى التوالي، يستطيعون معًا أن يُنقذوا لبنان. لسنا بحاجة إلى 128 نائبًا، بل إلى كتلةٍ متراصّةٍ من ثلاثين أو خمسةٍ وثلاثين نائبًا تغيّر المعادلة كلها. لأنّ كلّ نائبٍ إضافيٍّ لا يزيد علينا نقطة واحدة فقط وإنما خمس نقاط معاً لأننا بالإضافة نزداد قوةً وتأثيرًا”.
وتوجّه إلى الحضور بالقول: “فلنكن عمليين. فرحتُنا بلقائنا اليوم مهمّة، لكن الأهمّ أن نُقنع الناس. فالسياسة لها قواعد: لا تصوّت لابن عمّك لأنه قريبك، ولا لابن منطقتك لأنه ابنها، بل لمن يمتلك الكفاءة والانتماء والرؤية. التصريحات لا تبني وطنًا، العمل هو الأساس. لكي تعمل، يجب أن تكون جزءًا من كتلةٍ قوية قادرة على الفعل، كما هو حال تكتل «الجمهورية القوية» الذي، وإن لم يستطع أن يفعل كلّ ما يريد، فإنه قادرٌ على منع ما لا يريد، وهذا بحدّ ذاته إنجاز”.
أما بالنسبة للوضع العام فقد رأى أنه “لا شك أننا نعيش أحداثًا كبرى في منطقة الشرق الأوسط قد تُشكّل بدايةَ تحوّلٍ جذريٍّ فيها، وليس مجرد وقفٍ لإطلاق النار في غزة. ونحن في لبنان سنتأثر حتمًا بما يحدث في المنطقة، فلبنان ليس «سبع البورمبو»، ولا الولايات المتحدة، ولا الصين الشعبيّة، ولا روسيا، بل إنه بلدٌ يتأثر بمحيطه”. وقال: “كنتُ أتمنى أن نُبادر نحن إلى القيام بما يجب القيام به، قبل أن تفرضه علينا تطورات الأحداث، وأن نُثبت وجودنا كدولة بإرادتنا لا بردّات الفعل”.
وتابع: “بالرغم من كل شيء، أقول لكم بثقة: بعد خمسين سنةٍ من المعاناة والتضحيات والشهداء، وصلنا إلى شاطئ الأمان. صحيحٌ أننا لم نتوغّل بعد في برّ الأمان، لكننا بلغنا الشاطئ، وخرجنا من العواصف. وبقدر ما نعمل، نسرّع في دخولنا إلى البرّ الحقيقي وبناء لبنان الذي نحلم به. لا تظنّوا أن الأمر مستحيل، فالأمر بأيدينا نحن، كشعبٍ قبل أن يكون كـ«قوات»”.
وكان جعجع استهل كلمته بالقول: “قبل أن أبدأ، أودّ أن أوجّه تحيّةً كبيرة وتقديرًا بالغًا لرفيقِنا عبدو عماد الحاضر بيننا اليوم، انطلاقًا من النتائج التي حقّقها طلابُنا، سواء في الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) في جبيل أو في جامعة سيدة اللويزة (NDU). صراحةً، هذه ليست نتيجةً عاديّة. فعندما تكون الانتخابات على أساسٍ نسبيٍّ في جامعة سيدة اللويزة، وعلى قاعدة «شخص واحد، صوت واحد» (One man one vote) في الجامعة اللبنانية الأميركية، ونتمكن من حصد المقاعد كلها، فهذا يعني أنّنا بأي شكل حسابي كان، نلنا أكثر من خمسة وسبعين إلى ثمانين في المئة من الأصوات. وعندما نبلغ هذه النسبة، فذلك دليلٌ على أننا نسير على طريق النجاح، بإذن الله. عبدو، يعطيك ألف عافية، وإن شاء الله كما حصل مع الطلاب، يحصل مثله في الانتخابات النيابية المقبلة”.
وتابع: “لا يمكننا أن نبدأ الكلام من دون أن نستذكر رفيقَنا الشهيد باسكال سليمان. لا أستطيع أن أنسى ذلك النهار. تعلمون أنّ الله منحني حظًّا بأن رافقتُ الحرب اللبنانية، وشهدتُ سقوط العديد من الشهداء بأمّ العين، بعضهم سقط أمامي في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى أُصِبتُ انا أمام بعض منهم. لكنّ استشهاد باسكال سليمان كان مشهدًا مختلفًا تمامًا. لم أكَد أصل من منطقة الأرز – بشري إلى مدينة جبيل، حتى رأيتُ ساحة المنسقية تغصّ بالناس، بالآلاف الذين لا أعرف من أين جاؤوا، ليُعبّروا من جهةٍ عن محبتهم لباسكال، ومن جهةٍ ثانية عن تأكيدهم أننا جميعًا في ساعة الخطر «قوات». بالفعل، سيبقى باسكال في وجداننا وضميرنا وذاكرتنا دائما، وعملنا كله هو وفاءٌ له ولجميع شهدائنا الذين سبقونا، بأن نُكمل هذه المسيرة بأفضل ما يمكن”.
وتحدث عن منسق منطقة جبيل، قائلاً: “رفيقنا سافيو بركات، وبالرغم من أنني لا أقوم بما سأقوم به الآن عادة، إلا أن بعض الظواهر تستحقّ التوقّف عندها. فسافيو بركات له أكثر من خمسةٍ وثلاثين عامًا في القضية، أي منذ ثمانينيات القرن الماضي، متنقّلًا بين العمل الطلابي، والخدمات الصحية، والوحدات القتالية، والإدارة، والسياسة لاحقًا. وخلال هذه العقود الأربعة، لم يطلب سافيو يومًا شيئًا، ولم يسعَ وراء مصلحةٍ شخصية، ولم يتحدث يومًا عن طموحٍ خاص. إنّه حقًّا مثالُ الجندي المجهول الذي يعمل بصمتٍ وتفانٍ من دون أن يعرفه أحد، ومثال «القواتي الصالح» الذي يعمل بلا ضجيجٍ ولا مطالب”، وأشار إلى انه “مع تطوّر العمل الحزبي في منطقة جبيل، وبعد المسار الذي بدأه الشهيد بسكال سليمان، كان لا بدّ من وجود منسّقين من طراز سافيو بركات وبشير الياس”. وشدد على “أنني أحبّ أن أذكر هذه النماذج بدلا من التحدث في السياسات العليا، لأن بيننا أشخاصًا يستحقّون أن يُتخذوا قدوةً رغم تواضعهم الشديد. سافيو ربما لا يُحدث ضجيجًا، لكنه فاعلٌ للغاية، والمجتمعات لا تقوم إلا على أمثال هؤلاء”.
كما تطرّق أيضاً الى النائب زياد الحواط، قائلاً: “يجب أن نستلهم الأمثلة من أنفسنا، لا من بعيد. فليس صحيحًا أنّ «الكنيسة القريبة لا تشفي»؛ بالعكس، الكنيسة القريبة تشفي. لن أتناول زياد الحواط بصفته نائبًا وعمله في المجلس النيابي، بل لأنني أُقدّر فيه صفاته الإنسانية. فزياد جاء من بيئةٍ مختلفة، وكان يستطيع أن يتحالف مع أطرافٍ أخرى، لكنه اختار التحالف مع «القوات اللبنانية». أتذكّر أول اجتماعٍ جمعني به، كان لا يزال مرشّحًا لرئاسة بلدية جبيل، ولم تكن فكرة التحالف معنا مطروحة. جاء بلباقةٍ للقائي من ضمن جولة كان يريد فيها اللقاء مع الجميع، لكنني لمستُ فيه ثورةً على الواقع برمّته. قليلون في مجتمعنا من يمتلكون هذا العمق في التفكير وهذه الجرأة في مراجعة الذات، ليروا إن كان ما نقوم به صائبًا أم لا. وخرج يومها مقتنعًا بأنّ المسار الذي كنا فيه هو الصحيح، والتحق به لاحقًا كثيرون، حتى أصبحت الأغلبية الساحقة في صفّه”.
وتابع: “من المهم جدًا أن يكون الإنسان حرًّا. فالإنسان الحرّ، مهما كانت بيئته أو علاقاته أو جذوره، يرى الحقّ ويقف عنده. وزياد رأى الحقّ، وكانت خطوةً صعبة، لكنها دليل على شجاعةٍ فكريةٍ وصدقٍ داخلي. زياد هو من النماذج التي نحتاجها: لا يُصفّق لمجرد المجاملة، بل يقول الرأي الحرّ، حتى إن رأى خطأً في «القوات» لا يتردد في قوله، رغم أنه جزءٌ من تكتلنا اليوم. إن المجتمع، والقوات، وأنا شخصياً، بحاجةٍ إلى أمثال هؤلاء أكثر من المصفّقين، لأنهم البوصلة التي تُرشدك إن أخطأتَ أو أصبتَ. فلا أحدَ يعمل دائمًا الصواب، وإذا غاب أصحاب الرأي الصريح، ضاعت الحقيقة وضاعت المسيرة”.
واستطرد: “الصفة الثانية في زياد الحواط أنّه، رغم انتمائه إلى عائلةٍ سياسية، لم يلتزم يومًا بقواعد التصنيف الاجتماعي في لبنان. فما إن رأى أنّ هناك مسارًا وطنيًا صادقًا في حزب «القوات اللبنانية» حتى قرّر أن يتحالف معه. تأكّدوا أن كثيرين من أبناء العائلات السياسية يشاركونه هذا التشخيص، لكن قلّةً منهم امتلكت الجرأة لخطوةٍ مماثلة، لكسر التقليد الطويل والتحالف مع حزبٍ وطنيٍّ واضح الهوية. وسأقول في هذا الإطار ما يكرّره زياد دائمًا: الفردُ، مهما كان جيّدًا، يحتاج إلى حزبٍ كبيرٍ يمتدّ على مساحة الوطن كلّه، يملك الرؤية والبرنامج والعمل، كي يُحدث الفرق. لذلك أقول إنّ زياد الحواط يجمع بين صفتين: العقل الحرّ الصادق، والعقل العمليّ الذي فهم أنّ السياسة الحديثة لا تُدار بالعائلات بل بالأحزاب والمؤسسات. وقد اختار التحالف مع «القوات اللبنانية»، وكفى تحالفُه فخرًا واستمرارًا إلى أبد الآبدين، آمين إن شاء الله”.
وختم: “إنّ مسيرتنا مشرّفة منذ بداياتها. جمعنا القدَر في الحرب سنة 1975، لكنّ إيماننا وأخلاقنا ووحدتنا أبقتنا معًا. أصلّي أن نبقى مجموعةً واحدةً متماسكة، نُكمل هذا الطريق معًا، لنبلغ بلبنان الحلم الذي نسعى إليه منذ زمنٍ بعيد. ليبقَ قلبُ الخير فينا، ولتبقَ جبيل بخير، و«القوات» بخير، ولبنان بألف خير”.
أخبار متعلقة :