تتزايد الضغوط على لبنان للانخراط في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، بهدف التوصل إلى اتفاق جديد يتجاوز تفاهمات وقف إطلاق النار التي أُبرمت في نوفمبر 2024، والتي لم يُنفَّذ معظم بنودها حتى اليوم، وأبرزها بالنسبة إلى بيروت انسحاب القوات الإسرائيلية من كامل الأراضي اللبنانية، وبالنسبة إلى تل أبيب نزع سلاح «حزب الله». وبعد سلسلة مشاورات بين المسؤولين اللبنانيين حول المقترح الأميركي الذي يدعو إلى مفاوضات مع إسرائيل لحل القضايا العالقة، لاتزال بيروت ترفض الانخراط في مفاوضات مباشرة أو ذات طابع سياسي، مفضّلة تكرار تجربة ترسيم الحدود البحرية، أي اعتماد صيغة التفاوض غير المباشر، أو في أقصى الحالات عبر لجنة عسكرية تقنية، من دون رفع مستوى التمثيل أو منحه بعداً سياسياً.
ووفقاً للمعلومات، تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أن يوقع لبنان اتفاقاً مع إسرائيل، بغض النظر عن طبيعته أو مسماه، وتواصل في هذا الإطار توجيه رسائل تحذيرية إلى المسؤولين اللبنانيين من مغبة رفض الطرح الأميركي، ملوحة بتراجع الاهتمام بلبنان ووقف المساعدات والاستثمارات عنه وتركه لمصيره، مع التشديد على ضرورة مضي الدولة اللبنانية في تنفيذ مطلب نزع سلاح «حزب الله» بالكامل. أما بالنسبة إلى إسرائيل فقد باتت أهدافها واضحة، والطريق إلى تحقيقها تمر عبر مواصلة الضربات العسكرية القاسية التي بدأت تطال البنى المدنية وكل ما يرتبط بإعادة الإعمار، فبعد أن انطلقت العمليات الإسرائيلية باستهداف البنى التحتية لـ«حزب الله» واغتيال مسؤوليه وكوادره، توسعت لتشمل مدنيين يعملون في مسح الأضرار وإعداد دراسات الإعمار، وصولاً إلى استهداف المنشآت المدنية المرتبطة بإعادة الحياة إلى قرى الجنوب، مثل الجرافات والآليات ومجابل الاسمنت ومصانع الزفت.
وفي هذا السياق، سُجّل تطوّر جديد تمثّل في اشتراط حصول الأهالي في المناطق الحدودية على إذن خاص من قوات «اليونيفيل» لدخول أراضيهم الزراعية والعمل فيها، حيث تقوم القوة الدولية بإبلاغ الجانب الإسرائيلي بأسماء المزارعين ومنحهم تصاريح محددة المدة يومياً، مع مرافقتهم أثناء وجودهم في الحقول. ويُشار إلى أن «اليونيفيل» استأنفت قبل يومين دورياتها المشتركة مع الجيش اللبناني في الجنوب، ليس لتنفيذ عمليات تفتيش أو مداهمة، بل لتأمين الحماية للمزارعين أثناء قيامهم بأعمالهم الزراعية. وتسعى إسرائيل إلى فرض التفاوض على لبنان بالقوة وتحت النار، عبر إعادة إنتاج واقع عسكري قديم يقوم على إنشاء منطقة عازلة، ولو من دون انتشار مباشر لقواتها على الأرض. هذه المنطقة ترسمها تل أبيب بالنار والتدمير، إذ تعمل على تفريغ الشريط الحدودي من مقومات الحياة على عمق يصل إلى 5 كيلومترات.
وفي موازاة ذلك، تعيد إسرائيل فتح دفاتر قديمة وجديدة لطرحها على طاولة التفاوض، من بينها ما يشبه اتفاق 17 أيار أو اتفاق الهدنة، وصولاً إلى صيغ أكثر تشدداً تحمل شروطاً إضافية. ويُتوقّع أن تبدأ أي مفاوضات محتملة من نقطة معينة لتتطور لاحقاً نحو أهداف أوسع وطموحات إسرائيلية أكبر، مع احتمالات لظهور مفاجآت عديدة في الطروحات الإسرائيلية المقبلة. ما يُعرَض على لبنان حالياً يقوم على ربط الانسحاب الإسرائيلي التدريجي ببدء التفاوض المباشر، بحيث تبدأ تل أبيب بسحب جنودها شرط أن تترافق العملية مع نزع سلاح «حزب الله». غير أن الهدف الفعلي يبدو أعمق من ذلك، إذ تسعى إسرائيل إلى تكريس منطقة عازلة لا تكون خالية من السلاح فحسب، بل خالية من السكان أيضاً، تُراقَب بأنظمة ذكية تُزرع فيها روبوتات ورشاشات آلية للتعامل التلقائي مع أي تحرّك ضمن نطاق محدد.
أخبار متعلقة :