كتبت أمل شموني في “نداء الوطن”:
دق توم برّاك، السفير الأميركي إلى تركيا والمبعوث الرئاسي إلى سوريا، ناقوس الخطر في منشوره أمس على منصة “إكس”. فهو قدّم تحليلًا شاملًا يعكس رؤية، قال إنها شخصية، لكنها أميركية بامتياز. وركزت على الضرورة الملحة لنزع سلاح “حزب الله” لاستعادة سيادة لبنان واستقراره، ووضع بيروت ضمن رؤية سلام إقليمية أوسع نطاقًا يعمل عليها حاليًا الرئيس دونالد ترامب.
واعتبر خبراء أميركيون أن كلام برّاك ينطوي على تداعياتٍ واسعة على لبنان، إذ إن عدم التحرّك بحزمٍ لنزع سلاح “الحزب” يُهدد بتعميق الأزمات القائمة في البلد. فلبنان يقف عند مفترق طرق، أعلن عنه ترامب بوضوح مرات عديدة. فالرئيس الأميركي، بحسب مصدر في البيت الأبيض، لطالما شدّد على ضرورة أن يختار اللبنانيون مسار استعادة سيادتهم وليعودوا جزءًا من شرق أوسط يجنح إلى السلام المتكامل والانتعاش الاقتصادي. ويضيف المصدر، إن ما قاله برّاك حول أهمية نزع سلاح “حزب الله” هو بمثابة الفرصة الوحيدة أمام هذا البلد ليحجز مكانه على متن “قطار مستقبل الشرق الأوسط المزدهر”. فتغريدة برّاك، بحسب المصدر، تُبرز التقاطع الحاسم بين المصالح الأميركية والأمن الإقليمي والصراع الدائر في الشرق الأوسط، ومن هنا تكمن أهميتها على لبنان. وهي بمثابة رسالة واضحة تمامًا، ولا بدّ أن يقرأها اللبنانيون، لا سيما “حزب الله” قبل فوات الأوان وهي أن السلام في المنطقة مسار لا بدّ منه وآتٍ وبسرعة.
من وجهة نظر واشنطن، يُعدّ نزع سلاح “الحزب” حاجة أمنية وفرصة استراتيجية للبنان جديد. إذ إن لبنان الحالي مع وجود “حزب الله” مسلحًا وممسكًا بمسار الدولة من خلال الترهيب بالحرب الأهلية والاستقواء بالسلاح والمبادرة إلى شن الحروب التي تخدم المصالح الإقليمية على حساب مصلحة لبنان مرة في سوريا وأخرى ضد إسرائيل وثالثة على الحدود بين المملكة السعودية واليمن، كلها عوامل انعكست سلبًا على موقع لبنان وأضعفت الدولة إلى أبعد مستوياتها. وماذا كانت النتيجة: “هدوء هش للسلم الأهلي، وجيش يهاب التحرك خوفًا من انقسامه، وحكومة منقسمة تفتقد إلى التوافق والسيطرة”.
من هنا، قال مصدر أميركي إن واشنطن تتوافق تمامًا مع ما أشار إليه برّاك. فهو عكس في تغريدته أهداف السياسة الخارجية الأميركية الرامية إلى تحقيق الاستقرار في لبنان، ومواجهة النفوذ الإيراني، وتعزيز أمن الحدود الشمالية لإسرائيل. ولا يمكن المبالغة في أهمية هذا الموقف، لا سيما وأن القدرات العسكرية لـ “حزب الله” تُشكل تهديدات كبرى ليس فقط لإسرائيل، بل أيضًا للاستقرار الداخلي في لبنان.
من ناحية أخرى، توقف مصدر أميركي عند ذكر عامل الوقت في تغريدة برّاك، وقال “صراحة، عامل الوقت ليس بجديد. فالجانب اللبناني على علم به، وقد شدّد عليه كل الموفدين الأميركيين إلى لبنان، وسمع به كل المسؤولين الذي زاروا واشنطن”. وأضاف المصدر أن الإدارة الأميركية أبدت حرصها واستعدادها لتشجيع الشركاء الإقليميين للاستثمار اقتصاديًا بشرط استعادة لبنان كامل سيادته. في المقابل، يرتب التأخير في نزع سلاح “حزب الله” عواقب “وخيمة”.
وقال المصدر إن إدارة ترامب ليست إدارة أميركية عادية تعمل من خلال القنوات الدبلوماسية التقليدية. وإن الرهان على التفاوض ذهابًا وإيابًا خطأ. وتابع قائلًا “مَن تمكّن من الضغط على إسرائيل وتركيا ومصر، لن يتوانى عن الضغط على لبنان، وهو البلد الذي لديه الكثير ليخسره”. وأشار المصدر إلى أن كلام برّاك تجب قراءته في هذا السياق، خصوصًا وأن واشنطن لطالما اعتبرت “حزب الله” قوةً مزعزعةً للإستقرار في المنطقة.
أما لجهة القراءة في الوقائع الميدانية، فقال مصدر عسكري أميركي إن مخاوف برّاك حقيقية، وقد تمّ التعبير عنها مرارًا. فبينما لا تزال مواقف “حزب الله” عسكريًا وسياسيًا “مُحصّنة”، قال المصدر، إنه يتفق مع وصف التحديات التي يواجهها الجيش المُقيّد بالانقسامات الطائفية والتأثيرات السياسية. وقال إن تعليقات برّاك تكشف عن إحباط الكثيرين في واشنطن الذين يرون في تقاعس القيادة اللبنانية فشلًا في تحقيق إصلاح حقيقي.
أما حول إمكانية تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة في حال عدم نزع سلاح “حزب الله”، فلفت مصدر في الخارجية إلى أن واشنطن لا تحبذ تأجيل أي استحقاق انتخابي. غير أن كلام برّاك ليس بجديد بين أوساط الخبراء والناشطين في واشنطن. فالكثير من الخبراء الأميركيين المتخصصين بالشأن اللبناني يعتبرون أن إجراء الانتخابات في ظل وجود سلاح مع “الحزب” سيمنع المعارضة الشيعية تحديدًا من المشاركة في الاقتراع، وهو ما لا تحبذه واشنطن. فـ “حزب الله” خلال الانتخابات السابقة مارس القمع على البيئة الشيعية وصادر قرارها في المشاركة والتمثيل، واليوم تعتبر واشنطن “الحزب” بأنه في “أضعف حالاته”، من هنا لا يجوز السماح له بمصادرة القرار الشيعي. غير أن بعض الخبراء يعتبرون أن تأجيل الانتخابات خطر سيُعمق أزمة لبنان من خلال تقويض الديمقراطية، رغم أن ترسيخ “حزب الله” في الإطار السياسي اللبناني سيُفاقم حالة الاستقطاب في المجتمع اللبناني، مما يعيق أي تقدم يُذكر نحو الوحدة أو الاستقرار.
وعلى قاعدة it’s now or never، يُؤطر برّاك نزع سلاح “حزب الله” في إطار أوسع ليشمل السلام الإقليمي والتكامل الاقتصادي، بما يتماشى مع رؤية ترامب القائمة على السلام من خلال الازدهار. ويؤكد مصدر في الخارجية الأميركية أن واشنطن تستثمر في مسار استعادة لبنان سيادته على أنه أمرٌ حيوي لاستكمال بناء السلام الإقليمي بعد التقدم المحرز في غزة وسوريا، فما حصل في الشرق الأوسط منذ تشرين الأول 2023 تحوّل إلى فرصة غير مسبوقة. وأن مقاربة إمكانية توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية يتحول إلى واقع قريب.
أخبار متعلقة :