موقع دعم الإخباري

لبنان بين فرص التسوية ومخاطر التصعيد

كتبت لينا الحصري زيلع في “اللواء”:

في الوقت الذي كانت تسود فيه أجواء من التكتم الشديد حول المشاورات الجارية بين الرئاسات الثلاث بشأن المفاوضات المحتملة مع إسرائيل، ووسط المعطيات والتي كانت تشير أيضاً إلى جدّية عالية وتفاهم مبدئي حول كيفية التعاطي مع هذا الاستحقاق الحسّاس، من خلال ما يستند إليه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في مقاربته إلى تجربة الترسيم البحري والتي اعتُبرت ناجحة بوساطة أميركية وأممية، ويمكن أن تشكّل نموذجاً لأي تفاوض جديد مبني على الضوابط الدولية واحترام الحدود.

أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري مواقف سياسية بالغة الأهمية بخصوص مبادرة الرئيس عون والذي أكد فيها انه لا يمكن للبنان أن يكون خارج مسار التسويات الإقليمية، في ظل مناخ إقليمي يسعى إلى التسويات بعد مؤتمر شرم الشيخ، وربط أي مساعدات لإعادة الإعمار بخطوات عملية ملموسة، أبرزها الالتزام بالقرار 1701.

وبالعودة الى ما أعلنه رئيس المجلس النيابي فهو كشف بشكل واضح وصريح أن مسار التفاوض المقترح بين لبنان وإسرائيل «سقط» بسبب رفض تل أبيب التجاوب مع المقترح الأميركي بهذا الشأن، معتبراً أن المسار الوحيد المتاح حالياً هو مسار «الميكانيزم» الذي يضم ممثلين للدول الراعية لاتفاق وقف الأعمال العدائية، حيث تشهد آلية عملها حاليا تطوراً مهماً بعدما باتت تجتمع كل أسبوعين بدل الاجتماعات المتقطعة السابقة.

واللافت أن كلام بري جاء بُعيد اجتماعه برئيس الجمهورية وبعد المواقف العالية السقف التي أطلقها الموفد الأميركي توم برّاك، حيث أوضح بري أن الأخير أبلغ لبنان رفض إسرائيل مقترحاً أميركياً يقضي بإطلاق مسار تفاوضي يبدأ بوقف العمليات الإسرائيلية لشهرين، وينتهي بانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة وإطلاق مسار لترسيم الحدود وترتيبات أمنية.

وهو ما كان ما تلقّاه لبنان بإيجابية، وبتمسّكه بوقف إطلاق النار حسب رئيس المجلس الذي أعرب عن «تشاؤل» حذر حيال المرحلة المقبلة.

مصادر سياسية متابعة أكدت عبر «اللواء» أن مبادرة الرئيس عون، لم تتضمن أي حديث عن اتفاق سلام أو تطبيع، بل ركّزت على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للنقاط العالقة على الحدود، وتثبيت الخط الأزرق، وإزالة الخروقات المستمرة منذ عام 2006. مشيرة الى أن الطرح المذكور لم يكن يشكّل استفزازاً لـ«حزب الله»، باعتبار أن الرئيس عون يسعى إلى إخراج الوضع اللبناني من المراوحة، خصوصاً في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي تطال المنشآت المدنية والصناعية في الجنوب، ما يحول دون انتشار الجيش اللبناني بشكل كامل، ويعطّل تطبيق قرار الحكومة المتعلق بحصرية السلاح بيد الدولة.

وفي المقابل، فإن الموفد الأميركي توم برّاك أطلق موقفاً تحذيرياً هو الأشدّ حتى الآن، حيث شدّد فيه على ضرورة أن يبدأ لبنان خطوات عملية نحو نزع سلاح «حزب الله» واستعادة الجيش احتكار القوة الشرعية. محذّرا من أن استمرار التردد قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وعزلة سياسية محتملة لجناح الحزب، وتأجيل الانتخابات النيابية المقررة في أيار المقبل، مع ما تحمله من مخاطر الفوضى والشلل الحكومي والبرلماني.

من هنا، ترى المصادر السياسية أن المرحلة الحالية قد تمثل فرصة للبنان لاستعادة سيادته وتجديد مؤسساته واستقطاب الاستثمارات الدولية، في إطار عمل أميركي وفرنسي مشترك للأمن والرخاء، مع ربط أي تقدّم بتحقيق خطوات ملموسة على الأرض. وتشير أيضاً إلى الموقف المتقدم للسفير الروسي ألكسندر روداكوف، الذي أكد أن التنفيذ الفعلي للقرار 1701 هو السبيل لمعالجة النزاع الحدودي، معتبراً أن تحوّل «حزب الله» من حركة عسكرية إلى قوة سياسية يعزّز الاستقرار. والذي أوضح فيه أن موسكو تدعم سيادة لبنان وقدرته على تحديد سياساته الوطنية بعيداً عن أي تدخّل خارجي، مع تقديرها لدور الجيش اللبناني في حماية الدولة والمؤسسات.

وترى المصادر أن «حزب الله» بات في وضع أضعف داخلياً بعد فقدان جزء كبير من الدعم الشعبي، كونه لم يعد قادراً على التلويح بخيار الحرب الداخلية، حتى داخل بيئته الطائفية.

وتخلص المصادر إلى أن موقف الرئيس عون من ما يجري من تطورات يعكس استراتيجية متوازنة بين الواقعية الوطنية والضغوط الدولية، ويسعى إلى استعادة لبنان دوراً فاعلاً في الملف الحدودي، وتثبيت الأمن في الجنوب، وتعزيز الاستقرار الداخلي، مع الاستفادة من الحوافز الدولية لتقييد نفوذ الميليشيات داخلياً، بما فيها «حزب الله»، كما أن الاستحقاق الانتخابي النيابي المقبل سيشكّل عامل ضغط أساسياً يحدد إيقاع المرحلة المقبلة داخلياً ودولياً، ويوفر للبنان فرصة حقيقية للتجديد الوطني الشامل، أو خطر البقاء في دائرة الشلل والتدهور، بما في ذلك احتمال التصعيد العسكري والسياسي الداخلي.

في المحصلة، فان الأيام المقبلة يمكن وصفها بانها الأكثر دقة وخطورة ويبدو أن كل الخيارات والسيناريوهات مفتوحة على مصراعيها.

أخبار متعلقة :