موقع دعم الإخباري

هكذا قرأت “عين التينة” مواقف براك

كتبت نورما أبو زيد في “نداء الوطن”:

حين تختار إسرائيل، أن تلامس نيرانها محيط العيشية والمصيلح، فالأمر لا يكون خطأ في التصويب، بل دقة في اختيار الهدف. العيشية مسقط رأس رئيس الجمهورية جوزاف عون، والمصيلح مركز الثقل السياسي لـ «الثنائي». ولذلك، في المطرحين، تخرج الضربة من البعد التكتيكي إلى عمق الرسائل.

وعندما يُطلق الجيش الإسرائيلي مناورات عسكرية واسعة النطاق على طول الشريط الحدودي، وعندما تتزامن هذه المناورات مع مسيّرات تجوب سماء لبنان بلا انقطاع، فثمة تناغم محسوب يطرح سؤالًا خشنًا عن سرّ التزامن: هل هو مجرّد استعراض قوّة، أم تمهيد لمرحلة تتجاوز التهديد الاستعراضي إلى الفعل؟

يختصر مصدر دبلوماسي الوضع الحالي بالقول إن إسرائيل تناور لكنها لا تلهو. الزمان والأمكنة وطبيعة التحرّك، كلّها تشي بأن الرسائل لا تحتاج إلى ترجمة، بل إلى قراءة.

برأي المصدر، الاحتمالات مفتوحة على مسارين: حرب واسعة تعيد خلط الأوراق، أو ضربات موضعية على قاعدة بنك أهداف موسّع.

يتوسّع المصدر في الشرح، ويقول إن الطرفين اللبناني والإسرائيلي يُضيفان طبقة من التعقيد إلى المشهد، إذ إن كلا الطرفين مقبل على استحقاق انتخابي مفصلي. لبنان على موعد مع انتخابات برلمانية في أيار 2026، حيث لا يبدو أن معسكر «حزب الله» قادر على انتزاع أكثرية نيابية، وإسرائيل تتجه نحو انتخابات كنيست في تشرين الأول من العام نفسه، وسط مؤشرات لمصلحة نتنياهو سياسيًا، إذ ترجّح زيادة مقعدين في معسكره ليصل إلى 51 مقعدًا.

ينطلق المصدر الدبلوماسي من مؤشرات الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ليخلص إلى أن الطرفين المتقاتلين يقفان على حافة امتحان داخلي غير مضمون النتائج لصالحهما، وبينهما الجنوب، مساحة مفتوحة للهروب من المعركة الانتخابية إلى معركة عسكرية. وعليه، يرجّح المصدر أن يبادر أحد الطرفين إلى إشعال شرارة المواجهة. فإمّا أن يُقدم «حزب الله» على التصعيد باتجاه إسرائيل إذا شعر بأن الهزيمة الداخلية تقترب، وإمّا أن يجد بنيامين نتنياهو في الحرب على لبنان مخرجًا من مأزقه السياسي، وفرصة لإعادة خلط الأوراق في الداخل الإسرائيلي. لكن، رغم تأكيد المصدر جدية المؤشرات التي تنذر بتصعيد عسكري، فإنه يرى أنّ اندلاع الحرب لا يبدو وشيكًا في المدى القريب، ما لم تبادر إيران إلى تحريك ورقتها الأخيرة في لبنان، بهدف استخدام التصعيد كورقة ضغط في مفاوضاتها المعقدة مع واشنطن. فحتى اللحظة، يتقدّم بنك الأهداف بحسب معطيات المصدر، على خيار الحرب الشاملة، التي تبقى متقدّمة في الاحتمالات، ومؤجّلة في التوقيت.

ولكن ماذا عن تفاصيل بنك الأهداف الذي يتقدّم على الحرب؟

يتوقف المصدر الدبلوماسي عند التزامن المحسوب بين مناورات الشريط الجنوبي، والمسيّرات التي لا تفارق سماء بيروت، معتبرًا أنّ هذا التزامن رسالة مركّبة وليس فعلًا عفويًا. ويربط المصدر هذا التوقيت بمعطيات لديه، عن تحضير إسرائيل لـ «بنك اغتيالات سياسي»، وتوسيع ما يوصف بـ «بنك الاغتيالات العسكري». والأخطر بحسب المصدر، أن بنك الأهداف الجديد لن يظلّ محصورًا بجغرافيا الجنوب وضواحي بيروت كما هي الحال منذ اتفاق وقف إطلاق النار، بل يُعاد رسم نطاقه ليشمل كامل التراب اللبناني، وإسرائيل تقترب من موعد التنفيذ.

دوائر «عين التينة» تعتبر بدورها أنّ الحرب بعيدة في الوقت الراهن، ورغم استبعادها لفرضية الحرب، تعتبر أن الرئيس نبيه برّي متشائم وغير متفائل.

تنقل الدوائر لـ «نداء الوطن» السردية الكاملة لتواصل المبعوث الأميركي توم برّاك مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي نقل رسالة إسرائيلية، تتضمّن طلبًا بالموافقة على مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل. تروي الدوائر أن توافقًا حصل بين الرؤساء الثلاثة، وأن الأجواء كانت أكثر من إيجابية، حيث تمّ التوصّل إلى تفاهم مبدئي على المضي في مسار التفاوض، وبدأت مناقشات أولية حول تشكيل الوفد اللبناني.

تقول الدوائر إنّ زيارة الرئيس برّي إلى قصر بعبدا يوم الإثنين، كانت قد تقرّرت يوم الأحد، بهدف وضع رئيس الجمهورية في صورة جواب «حزب الله» على الدخول في مفاوضات غير مباشرة، غير أن المبعوث الأميركي توم برّاك فاجأ الجميع صباح الإثنين بخطوة غير متوقعة، إذ تراجع عن طرحه السابق، ناسفًا المبادرة التي كان قد روّج لها، وذلك قبل ساعات فقط من لقاء عون ـ برّي.

تفيد دوائر «عين التينة» أن برّاك لم يكتفِ بنسف مبادرته بشأن المفاوضات غير المباشرة، بل ذهب أبعد من ذلك، فطرح على رئيس الجمهورية سلّة من الشروط المسبقة، أبرزها تسليم سلاح «حزب الله» كمدخل لأيّ تفاوض. وتنقل الدوائر أن برّاك أبلغ الجانب اللبناني، أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يعد ساريًا وانتهت مدّة صلاحيته، وأن المرحلة الجديدة تستوجب التعامل مع وقائع ما بعد الانتصار الإسرائيلي بحسب تعبير برّاك. وإزاء هذه الطروحات، جاء ردّ الرئيس جوزاف عون حازمًا على برّاك، إذ قال له: ما تقترحه ليس مدخلًا إلى مفاوضات، بل إلى حرب.

تكشف دوائر «عين التينة» أن اجتماع بعبدا الذي كان من المفترض أن يُخصّص لنقل رسالة إيجابية من «حزب الله» إلى الرئيس عون حول المفاوضات غير المباشرة، تحوّل إلى جلسة نقاش في مضمون الرسالة السلبية التي بعثها المبعوث الأميركي توم برّاك. وقد خلص الرئيسان عون وبرّي، إلى اعتبار الشروط التي طرحها برّاك تعجيزية وغير قابلة للتطبيق. وتوافق الجانبان على إبقاء اتفاق وقف إطلاق النار في عهدة «الميكانيزم» والضامن الأميركي الذي يتولّى الإشراف عليها.

وفي موازاة النقاشات الداخلية، تكشف الدوائر، أن عين «عين التينة» هي على الحراك الدبلوماسي لرئيس الجمهورية، الذي يراهن على دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإيجاد مخرج سياسي يجنب لبنان التصعيد. كما تشير الدوائر إلى أن الرئيس عون طلب وساطة قطرية بهدف ضمان استمرار الضمانات الأميركية، بما يمنع انزلاق الأمور نحو حرب عسكرية.

تؤكّد دوائر «عين التينة» أنّ الرئيس برّي يعوّل بشكلٍ كبير على الدبلوماسية الهادئة التي ينتهجها الرئيس عون، وقدرته على ابتكار مخارج تفاوضية تحفظ الحدّ الأدنى من التوازن، بالتنسيق مع الضامن الأميركي. وتضيف إن واشنطن، ورغم إشارات المبعوث الأميركي غير المطمئنة في حديثه عن انتهاء صلاحية اتفاق وقف إطلاق النار، لا تزال تضطلع بدور الضامن الأساسي لهذا الاتفاق، ولو في حدوده الدنيا، ما يمنح هامشًا يمكن البناء عليه لتفادي الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة.

أخبار متعلقة :