موقع دعم الإخباري

الإثنية الشيعية – الإسرائيلية

كتب سامر زريق في “نداء الوطن”:

فكرة عزل الطائفة التي توكّأ عليها الرئيس نبيه بري كآلية دفاع يسوّغ بها موقفه الرافض لتعديل قانون الانتخابات وآلية تصويت المغتربين، تشكل جوهر الاستراتيجية التي يرتكز عليها “حزب الله” لبث دعاية تخويفية تشعر الشيعة بخطر وجودي يصل إلى حدّ تعرضهم للاضطهاد والمذابح في حال تخليهم عن بندقيتهم.

وصول بري إلى التعبير العلني عن هذه الفكرة يبيّن حجم التوتر الذي صار إليه، والذي يمكن الاستدلال عليه بغزارة مواقفه في الأيام الأخيرة، وما تحمله من سمات ازدواجية يخلط فيها بين صلاحياته الدستورية وانحيازاته السياسية والشخصية كزعيم شيعي. من الطريف أن يستند “سلطان ساحة النجمة” إلى الديمقراطية الفرنسية العريقة لتبرير إبقاء اقتراع المغتربين في دائرة منفصلة كي لا تؤثر في نتائج التصويت.

عدا عن الفروق الجوهرية بين دولة كانت من أبرز القوى العالمية ولديها أملاك ومستعمرات، وبين دولة صغيرة الحجم والوزن تكابد لإنقاذ قرارها من ركام الوصايات والميليشيات، فإن فرنسا ليس لديها طرف يمتلك “حق النقض” داخل النظام السياسي، ويستخدمه للالتفاف على ما تفرزه العملية الديمقراطية، فضلاً عن عدم وجود نظير لرئيس برلمان يمارس ديكتاتورية متلبسة برداء ديمقراطي، ولا يتورّع عن إقفال حصن التشريع بغية فرض خيارات معينة.

بيد أن فكرة العزل لها جذور أعمق بكثير في التربة الشيعية، تتجاوز إطار المماحكات الطوائفية الكلاسيكية، وتتصل بالسياسات التي رسمها وتبناها “حزب الله” منذ استيلاده على يد القابلة “الملالية”، واستهدفت إنتاج “إثنية شيعية”، وخلق أمة منفصلة عن الأمة الإسلامية بمعناها السني مرتبطة بالمركز في طهران، تشكل فضاءً ديموغرافيًا واسعًا ومتماسكًا أتاح لها الملالي أن تصبح قوة جيوسياسية إقليمية مؤثرة.

فإذا كان نظام الملالي اقتبس من لينين مبدأ “تصدير الثورة”، فإنه اقتبس من إسرائيل بالذات استراتيجياتها وسياساتها لربط اليهود المنتشرين بها، وجعلهم بمثابة امتداد لأهدافها ومصالحها. ومن رحم “شعب الله المختار” أخرج حزبها مصطلح “أشرف الناس”.

عرفت إيران كيف توظف الخصوصية الدينية الشيعية كأداة لدمج مجتمعاتهم في الدول العربية ضمن مشروعها التوسعي، المرتكز على نسخة شديدة الغلو من الإثني عشرية، وخلق حالات انفصالية تشكل تهديدًا جديًا للحكومات، من خلال الاستثمار السياسي لمظلومية الإمام الحسين في “كربلاء”، والتوسع في تضخيم فعالياتها لتحويلها إلى مناسبات وأعياد تربط المخيال الشيعي العام بمفهوم الأمة المتخيلة.

هذه الحالة تجذرت في لبنان على يد “حزب الله” إلى حد يصعّب عمل النخب الشيعية المعارضة التي تحاول في الآونة الأخيرة إحداث خرق في القواعد الشعبية، لإخراجها من الوضعية المأزومة والمتوترة، وإقناعها بالاندماج ضمن مشروع الدولة.

وإذا كان كثر لمسوا هذا الطابع الانفصالي في رفع علم إيراني ضخم على مدرجات ملعب مدينة “كميل شمعون” الرياضية خلال الاحتفال بذكرى اغتيال السيد حسن نصر الله، فإن ذلك هو نتيجة طبيعية للجهود التي راكمها “الحزب”، والتي ظهرت علائمها قبل عقدين ونصف. عام 2000، نظم لبنان كأس آسيا لكرة القدم، وكانت مبارة الافتتاح في الملعب نفسه بين المضيف وإيران حاشدة، حيث امتلأت المدرجات عن بكرة أبيها بالجماهير والمدعوين المرموقين من الخارج. لكنها شهدت حدثًا غير مألوف يتمثل برفع فئة من الجمهور اللبناني علم إيران، واحتفائها بهزيمة منتخبها الوطني الكارثية، رغم كل ما سبق البطولة من حملات دعائية وطنية تحفيزية استمرت لأشهر.

توازيًا، قاد عماد مغنية أحد أبرز عقول “الحزب”، جهودًا هائلة لإنتاج منظومة معقدة يربط من خلالها الشيعة المنتشرين في عوالم الاغتراب بالمشروع الملالي، اقتفى فيها طرائق وأساليب العمل الإسرائيلية شُعُبًا شُعُبًا، سياسيًا وأمنيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وذلك حسب عدد من التقارير والتحقيقات، نشرت بعضها وسائل إعلام ممانعة تباهت بعجز العديد من الدول والقوى الكبرى عن تفكيك المنظومة التي بناها مغنية رغم رحيله منذ أكثر من 17 عامًا.

لذلك، فإن استخدام الرئيس بري فكرة عزل الشيعة تحمل بين ثناياها رسالة لا تخلو من التوتر، موجهة إلى الفاعلين الخارجيين، وخصوصًا السعودية، تعزف على وتر موقعه ضمن سياستها الرامية إلى عدم شعور أي مكون بالعزل، وانفتاحها على القاعدة الشيعية المرتبطة به، مثلما يظهر في زيارة سفيرها الدكتور وليد البخاري إلى المجلس الإسلامي الشيعي، من أجل دفعها للتدخل لدى الحكومة وحلفائها للإقلاع عن تعديل قانون الانتخاب، على قاعدة “ساعدوني للتخفيف من غلو الحالة الانعزالية كي لا أصير جزءًا منها”.

أخبار متعلقة :