كتب حسن فقيه في “المدن”:
في خضمّ التوترات الأمنية التي يعيشها لبنان، ومع تصاعد التهويل باحتمال تنفيذ تصعيدٍ عسكريٍّ إسرائيليٍّ يهدف إلى القضاء على ما تبقّى من أسلحةٍ بيد المقاومة، دخلت خطةُ الجيش اللبناني شهرها الثاني، وما زالت منحصرةً في جنوب نهر الليطاني، وهي المنطقة التي يُفترض أن تُنهي المؤسسة العسكرية عملها فيها مع نهاية هذا العام، على أن تنتقل بعد ذلك إلى المراحل الأربع المتبقية التي تشمل مختلف المناطق اللبنانية.
غير أنّ كثيراً من الأمور قد تبدّل منذ شهرٍ حتى اليوم في هذه المنطقة التي تجلس على صفيحٍ ساخن؛ إذ كثّفت إسرائيل اعتداءاتها بشكلٍ كبير، حتى بات يسقط يومياً شهداء في الجنوب اللبناني، عدا عن التوغّلات البرّية وما جرى في بلدة بليدا، فضلاً عن أوامر رئيس الجمهورية جوزاف عون للجيش اللبناني بالتصدي لأي توغّلٍ إسرائيلي، واستعداده لخيار المفاوضات كحلٍّ لتسوية الأوضاع.
وأمام هذا المشهد المعقّد، يحمل قائد الجيش غداً إلى الحكومة التقريرَ الثاني حول سير عملية حصر السلاح ومراحل تقدّمها. فهل تمكّن الجيش من تحقيق المزيد من التقدّم؟ وما هي معطيات التنسيق مع “الميكانيزم”؟ وإذا ما كان الرضا الخارجي مفقوداً، فهل ما زالت الحكومة ملتفّةً حول الجيش وترى أنه يقوم بكل ما يقع على عاتقه؟
تقسيم القطاع ومواقع الانتشار
يقول مصدر عسكري رفيع لـ«المدن» إنّ الجيش اللبناني قسم قطاع جنوب الليطاني إلى ثلاثة أقسام. إذ ينقسم القطاع إلى: شرقي يمتد حتى منطقة مرجعيون، ومركزي يشمل بنت جبيل وقراها، وغربي يصل إلى الناقورة، وجميع الوحدات العاملة هناك تعمل في إطار قطاعٍ واحدٍ هو “جنوب الليطاني”.
وأصبح لدى الجيش في تلك المنطقة 118 نقطة، وهذه التفاصيل سيقوم قائد الجيش، العماد هيكل، بإضاحها في تقريره. أمّا النقاط المتبقية فهي إمّا نقاط لم يُكشَف عنها بعد ويُنتظر الانتهاء منها بنهاية هذا العام، وإمّا نقاط تعذّر الكشف عليها بسبب الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته المستمرة. ويضيف المصدر العسكري أن الجيش طلب معدات تفجير وعدّة ألغام وصواعق لإكمال المسح الميداني، وتمت الموافقة على مجموعات من ضمن اليونيفيل للمساعدة في عمليات التفكيك والتفجير، ويرجّح المصدر أن تكون الكتيبة الصينية من ضمن المساعدين في هذه العملية.
ما يتضمنه التقرير: منشآت، مخازن وأنفاق
إضافةً إلى ذلك، يؤكد المصدر العسكري لـ«المدن» أنّ التقرير سيشمل العناوين العريضة لعمليات الجيش اللبناني في المنطقة ومهماته منذ بداية العمل لحصر السلاح، وعدد المخازن التي فكَّكها، والأنفاق التي كشفها وسيطر عليها. وهنا سيُبرهن قائد الجيش — بالأرقام — حجم العمل الكبير الذي أنجزته المؤسسة العسكرية هناك، على الرغم من الصعوبات الهائلة.
فقد فكّكت المؤسسة العسكرية أربع منشآت ضخمة جداً، وأضخمها ما عثر عليه الجيش في قرية وادي جيلو في قضاء صور؛ فقد سيطر الجيش على منشأة كانت تحتوي حينها على عدد كبير من الأسلحة والآليات التي بقيت هناك. هذا على صعيد المنشآت الضخمة التي قد تُشبه ما عرضه الإعلام الحربي للحزب خلال فترة الحرب لمنشأة «عماد 4»، والتي تمت السيطرة عليها أيضاً.
أمّا على صعيد مخازن الأسلحة فبحسب المصدر العسكري فإنّ العدد كبير وبالعشرات، وكانت هناك قرى تحتوي على مخزنٍ أو اثنين أو خمسة، وقد تمّ تفجيرها جميعها — ومثال ذلك قرية حدودية من قرى قضاء بنت جبيل.
المخاطر والتباينات السياسية المتوقعة في الحكومة
ويلفت المصدر العسكري إلى أنّ الجيش أنجز 90 في المئة من مهمته هناك؛ والمتبقّي يعتمد بالدرجة الأولى على انسحاب الاحتلال ووقف الاعتداءات، وبدرجة أدنى على توفر المعدات. ومن الطبيعي أن تتضمن محاور تقرير قائد الجيش معلومات حول إقفال الأنفاق وتعزيز الانتشار في المنطقة الحدودية.
ومن المتوقع أن يبين العماد هيكل المخاطر التي يتعرّض لها الجيش؛ فالاعتداءات الإسرائيلية طالت عناصره وعناصر القوّات الدولية. وسيعرض أيضاً ما تضمنته اجتماعات لجنة عمل وقف العمليات العدائية («الميكانيزم») ويجدد ثقته بعناصر الجيش لتنفيذ ما طُلب منهم في مجال التصدي للتوغلات الإسرائيلية البرّية.
وقد يثير هذا ما قد يُعرَف بجدل داخل مجلس الوزراء؛ فبعض الأطراف ترى هذه الخطوة جنونية وتحمّل الحزب مسؤولية ما يحصل، معتبرةً أنّ «المماطلة» في تسليم السلاح بشكل كامل هي التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن، وأن أي مماطلة إضافية أو إقحام الجيش في مواجهةٍ غير متكافئة ستكون عواقبها وخيمة على البلد بشكل عام. في المقابل، هناك فريق آخر في الجلسة يرى أنّ إسرائيل لم تلتزم بالاتفاق وتعتدي يومياً، وأنّ الحزب أنجز ما عليه في جنوب الليطاني ولن يبادر بخطوةٍ إضافية قبل انسحاب إسرائيل ووقف الاعتداءات. ورئيس الجمهورية ليس بعيداً عن هذا التفكير؛ إذ يرى أنّ إسرائيل هي من يعطل، باعتداءاتها، ما تعهّدت به الدولة في عملية حصر السلاح. فهل سيفتح تقرير هيكل غداً نقاشاتٍ حامية في الجلسة الحكومية؟
مطالب الجيش من «الميكانيزم»
ويلفت المصدر العسكري في حديثه إلى أنّ قائد الجيش سيقول إنّ الجيش طلب من «الميكانيزم» عملاً أكبر لوقف الاعتداءات الإسرائيلية والتحليق المستمر للمسيرات في الأجواء اللبنانية لمددٍ متواصلة، وكذلك للمساعدة في موضوع الألغام وخرائط القنابل العنقودية. أما باقي الأمور فمرتبطة بالمفاوضات؛ إذ يحاول الجيش من خلال «الميكانيزم» خفض أي تصعيد محتمل، لأنّه بات مضطراً للتعامل عسكرياً مع أي خرق بري.
وقد علمت «المدن» أنّ المخطط القادم في منطقة جنوب الليطاني يتضمّن إقامة أبراج مراقبة في كل قطاع من القطاعات الثلاث، مزوّدةً بكاميرات وأجهزة استشعار ورادارات لرصد أي عمليات إسرائيلية، إضافةً إلى منع أي محاولة للعمل بشكل عسكري من مجموعات لبنانية أو غيرها ضمن نطاق المنطقة الحدودية.
العلاقة مع الحزب ونوايا الانسحاب الإسرائيلي
قسمٌ كبيرٌ من منطقة جنوب الليطاني أنجز العملُ فيه، وفق شهادة العماد هيكل، الذي أكد أنّ حزب الله لم يعرقل عمل الجيش، وكان متعاوناً جداً في تلك البقعة الجغرافية مع بعض الثغرات البسيطة. أمّا منطقة شمال الليطاني فمحيّدة حتى الآن، وقيادة الجيش لا ترغب في الدخول بأي نزاع داخلي قبل التأكد من النوايا الإسرائيلية فيما يخص الانسحاب ووقف الاعتداءات.
لكن قد يبدو الالتفاف حول المؤسسة العسكرية أقل مما كان عليه سابقاً، وذلك في سبيل الضغط لحصر السلاح بسرعةٍ أكبر في كل لبنان وقطع كل السبل والذرائع على الاحتلال كما يعتقد البعض، وهذه وجهة نظرٍ تختلف كثيراً عن وجهة النظر المضادة.
هذا التقرير هو ما قبل الأخير لمنطقة جنوب الليطاني، والمهمة لن تشمل المنطقة بأكملها إذا استمر الاحتلال. وبالتالي، دخل لبنان في الشهر الأخير من الخطة في المنطقة الحدودية؛ وبعدها إما تنجح المفاوضات، أو ستكون خيارات الجيش أضيق وأصعب. فهل ستدرك كل القوى أنّ إسرائيل لا تنوي خيراً، وأنّ الجيش يقوم بما هو عليه بل ويفوق طاقته أصلاً؟ وهل سيثبت الالتفاف حول المؤسسة العسكرية أنّه الخيار الأصوب في كل الأوقات والأزمنة؟
أخبار متعلقة :