كتب أنطوان مراد في “نداء الوطن”:
المسار الذي يسلكه استحقاق حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية مسار سليم في خطه البياني، لكن ثمة تساؤلات متعاظمة ليس لدى القوى السيادية فحسب، بل لدى شرائح واسعة من المستقلين وغير الملتزمين سياسيًا، ومن ضمنهم أهل رأي وفكر، تتمحور حول البطء الظاهر في عملية حصر السلاح ومداها الجغرافي، إذ يبدو أنها تقتصر حتى الآن على المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني، علمًا أن الخطة التي أقرها مجلس الوزراء تأسيسًا على وقف إطلاق النار ومن خلاله القرارات الدولية وأخصها الـ 1701 تلحظ أو ينبغي أن تلحظ شمول الخطة الأراضي اللبنانية بأسرها على أن تكتمل مطلع العام المقبل.
ولكن، وفق أوساط سيادية، فإن ثمة خشية من أن تقع الدولة اللبنانية مجددًا أسيرة ابتزاز فريق الممانعة والمناورات التي يتقنها لاسيما عبر الرهان على الوقت من جهة، وعلى التلويح بشبح الفتنة من جهة ثانية، وكأن هذا الفريق يدرك الحرص الشديد لدى رئيس الجمهورية في مطلع عهده على الحفاظ على السلم الأهلي ورفض حصول أي مواجهات داخلية أيًا كانت طبيعتها وأطرافها، فيحاول استغلال هذا الحرص لمصلحة قراءته الخاصة.
وبالتوازي، تلفت أوساط وزارية قريبة من الحكم، إلى أن الرئيس جوزاف عون يكرر التمسك بعنوان حصر السلاح كثابتة لا تقبل الجدل، ويشدد على أهمية دعم الجيش اللبناني فعلًا وليس بالمطالعات البيانية أو بالمساعدات المحدودة، فضلًا عن أنه كرئيس للجمهورية لا يمكنه أن يسلّم باستمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرض لبنانية مهما بلغت مساحتها، مقابل الانجرار إلى صدام مع «حزب الله».
لكن الأكيد أن الحكم والحكومة، ليسا مستعدين على خط موازٍ للتراجع عن قرار حصر السلاح وعن ضرورة استكمال الخطة الخاصة به تدريجيًا، وجل أمنيات الرئيس عون ورئيس الحكومة نواف سلام هو ألا يكون سلاح في لبنان إلا سلاح الشرعية وألا تكون حبة تراب واحدة من أرض لبنان تخضع للاحتلال.
على أن المواقف التصعيدية لـ «حزب الله»، إن بالنسبة لتسليم السلاح والإصرار على استمرار المقاومة، أو بالنسبة لمسألة التفاوض المحتمل مع إسرائيل، فإنها في الواقع لا تشجع على تعزيز المناخ الإيجابي، بل تقدم مبررات إضافية لكل من يبدي تحفظات على مسار حصر السلاح وأداء الدولة ككل حياله. وتبدي الأوساط الوزارية خشيتها من عودة إسرائيل إلى توسيع دائرة اعتدائها تدريجيًا بحجة استمرار «حزب الله» في التمسك بسلاحه والانكباب على إعادة بناء قدراته العسكرية، علمًا أنها لا ترى تصعيدًا استثنائيًا قبل زيارة قداسة البابا لبنان في آخر الشهر الجاري.
أما في ما خص المصادر القيادية السيادية، فتعود إلى التحذير من الوقوع بشكل خاص في شرك المحاولات الدؤوبة لرئيس المجلس باسم «الثنائي الشيعي»، لتنفيس قرار حصر السلاح وفتح أبواب مغلقة حول خيارات بديلة موازية من قبيل تعويم طرح الاستراتيجية الدفاعية أو الأمنية، فضلًا عن تكوُّن انطباع بأن هناك نوعًا من التسليم بمشاركة الرئيس نبيه بري في القرار التنفيذي عند كل استحقاق يتعلق بملف أو بتعيينات أو مشاريع معينة، وكأن الرئيس بري هو المرجع الأخير الذي لا تمشي الأمور إلا بموافقته أو بالتحاور والتفاوض معه، ما يعني أن الثلث المعطل حاضر بشكل ضمني، وأن رئيس المجلس يملك حق الفيتو، وهو أمر غير مقبول، إذا ما أريد للدولة أن تستعيد سيادتها وأن تنظم أمورها وأن تخوض غمار الإصلاح الجدي والجذري.
ولعل المثال الأبرز على هذا الواقع، هو ما يتعلق بقضية اقتراع المغتربين، لا سيما في ضوء إصرار رئيس المجلس على مخالفة الدستور والقانون والنظام الداخلي والأصول والمنطق، برفض إدراج اقتراح القانون الذي تقدمت به أغلبية نيابية على جدول أول جلسة تشريعية، والإيحاء في المقابل، بعدم وجود رغبة لديه في السماح باقتراع المغتربين للمقاعد الـ 128 من أماكن إقامتهم، على قاعدة التخلي في الموازاة عن المقاعد الستة، وهو أمر يحتمل محاذير كبيرة.
فالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ما زال في كلماته يؤكد حق المغتربين في المشاركة في الحياة السياسية الوطنية عبر انتخاب النواب الذين يمثلون الدوائر الانتخابية في لبنان، لكنه يبدي في مجالسه استياء كبيرًا من الإصرار على إبعاد المغتربين أكثر عن وطنهم وقضاياه وهمومه، وجعلهم كمواطنين درجة ثانية خلافًا للدستور ولحقوقهم المشروعة.
ويتابع سيد بكركي مختلف التحركات الاغترابية على هذا الصعيد مبديًا ارتياحه للخطوات التي اتخذها مطارنة الانتشار تأكيدًا على حق الاغتراب في الاقتراع بالتساوي مع المقيمين.
وفي الخلاصة، المناخ العام لا يطمئن كثيرًا، وثمة حذر شديد حيال احتمال تحول الخلافات على أكثر من جانب، إلى حالة تصعيدية داخلية، تترافق مع تصعيد إسرائيلي ما يجعل الأمور كلها في مهب العواصف، ويطرح خيارات أكثر تعقيدًا تتخطى السقوف الراهنة.
أخبار متعلقة :