كتب سامر زريق في “نداء الوطن”:
لا يمكن فصل تصاعد التهديدات الإسرائيلية وسياقات الضغط الدولي عن تلك المرتبطة بتطورات الموقف السوري، والعلاقات بين بيروت ودمشق. ثمة ثقب يرخي بتأثيره السلبي على نمو هذه العلاقة، ولولا أنها تحظى بإشراف السعودية لتدهورت وربما انفجرت، حيث تبدي سوريا امتعاضًا من طريقة تعامل بعض صناع القرار في الدولة، وتتلمس رغبة في عدم تطوير أطر التعاون بين الجارين.
يقول السوريون إن أداء وزير الدفاع ميشال منسى خلال اجتماعات العمل يتسم بالسلبية، حيث يسوق الكثير من الذرائع التي تقوض بناء مسار موثوق ومستدام، ولذلك طالبوا بحصر قنوات التنسيق مع مدير استخبارات الجيش طوني قهوجي، ومدير عام الأمن العام اللواء حسن شقير، وبإشراف وزير الداخلية عن المستوى السياسي. الأمر الذي يفسر سبب حصول الاجتماع المشترك مؤخرًا في “الصنائع”، وكذلك سبب الاهتمام العربي بالوزير أحمد الحجار، حيث ترأس الوفد اللبناني إلى “حوار المنامة”، والذي يعد من الفعاليات السنوية البارزة للتباحث في القضايا الاستراتيجية والأمن الإقليمي.
وبينما يقود أحمد الشرع بلدًا مزقته الحروب ليكون شريكًا جديًا في السياسات الإقليمية والدولية، ويشارك كضيف “فوق العادة” في المنتديات الدولية، وآخرها “قمة المناخ” في البرازيل، ويتحضر لدخول “البيت الأبيض” ولقاء ترامب للمرة الثانية، يغرق لبنان في “ثقب أسود”، حيث تترى العقوبات على كيانات وشخصيات مرتبطة بـ “حزب الله”، وثمة رزم قيد التحضير، ناهيكم عن زيارة وفد من وزارة الخزانة الأميركية، ليس من أجل مساعدة البلاد في النهوض من كبوتها، بل لفرض رقابة على روافد “الحزب” المالية.
زد عليها التأثير السلبي للاتصال بين السيناتور الأميركي، جو ويلسون، وعدد من السجناء السوريين في “رومية”، وإمكانية تحول الأمر إلى قضية رأي عام تمهّد الطريق أمام إقرار قوانين تنهل من روحية “قيصر”. ترى هل يذكر واحدنا متى آخر مرة دخل فيها لبنان إلى “البيت الأبيض”؟
يعود الأمر لـ 7 سنوات خلت، حينما استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيس الحكومة سعد الحريري، فيما كان الرئيس ميشال سليمان آخر رئيس جمهورية يدخل مركز القرار الأميركي حينما استقبله أوباما عام 2009. وعلى الرغم من أن أميركا قادت بالشراكة مع السعودية عملية إعادة تكوين السلطة في لبنان على وقع التحولات الجارية في المنطقة، إلا أن الدولة لا تزال أسيرة علاقة ملتبسة مع “الحزب” تمسي فيها كالأب الذي يراهن على صلاح ابن متمرّد، ويواظب على تدفيع العائلة كلّها أثمان خياراته البائسة.
وحده الرئيس نواف سلام من يظهر التزامًا ثابتًا، ويدفع بشجاعة باتجاه استرجاع قرار الدولة الاستراتيجي، ويرفض المضي بالأعراف المناقضة للدستور. وحينما حاول إحداث خرق في العقل الجمعي عبر “قضية الروشة” لإظهار قدرة الدولة على احتواء “الحزب”، وجد أن هياكلها المؤسساتية ليست على الموجة نفسها، فأعاد صياغة سياسته لتفكيك امتدادات نفوذ الرئاسات، ومنع تكبيل حكومته، دون التخلي عن الأهداف الموضوعة.
والحال أن هذا “الابن العاق” لا يعدو كونه تجسيدًا لبنية احتلالية داخل عقل الدولة ومؤسساتها، ولا أدل على ذلك من البيان الذي أصدره قبيل انعقاد مجلس الوزراء، وابتغى من توقيته ومندرجاته نسف آليات العمل السياسي، والقول للجميع في الداخل والخارج “الأمر لي”، ويمكن اعتباره بمثابة وثيقة يستدعي فيها إسرائيل لشن حرب جديدة. ردت الدولة على البيان بلغة هادئة تعبر عن توازن مكسور. توكيد مقتضب على خيار التفاوض خطف منه الأضواء ما تسرب عن طلب قائد الجيش تجميد خطة “حصرية السلاح”، رغم أنه يدرك حجم الضغوطات لإنهاء جنوب الليطاني على الأقل بحدود آخر الشهر الجاري، وجدية التهديدات في حال عدم حصول ذلك.
المسار التراجعي إزاء “حزب الله” وثقبه الأسود يظهران الدولة في حالة انسحاب وتسليم بأمر واقع، وكأنها ترد على تصاعد التهديدات الإسرائيلية بما قاله بنو إسرائيل لنبي الله موسى حينما بلغهم الأمر الإلهي بدخول المدينة المقدسة، ورغِبوا عن مواجهة “العمالقة” الجبارين “إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون”.
أخبار متعلقة :