كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يعيش لبنان ثلاثة أيام كأنها خارج مسلسل أحداثه. لم يكن أكثر المتفائلين يتوقعون حلول قداسة البابا لاوون الرابع عشر في ربوعه. أما وقد تمت الزيارة فالعبرة تبقى في استغلالها إيجابًا.
حطّ قداسة البابا على أرض لبنان، وهو العارف بتفاصيل الأزمة اللبنانية. تابعها قبل انتخابه بابا، وسيتابعها اليوم وغدًا. لائحة الأزمات التي يعاني منها لبنان لا تنتهي. تبدأ من المسائل الاستراتيجية وتصل إلى الهموم المعيشية الصغيرة وسط غياب الحلول الجذرية والنهائية.
وإذا كانت الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية تحتل الصدارة، إلا أن هموم الشباب ومشاكلهم في وطن أنشأه المسيحيون تبقى من أولوليات الكرسي الرسولي. لا يمكن لأي بابا زيارة لبنان إلا ويلتقي الشبيبة، لأنهم عصب الحياة ومستقبل المسيحيين في لبنان والشرق.
يُشكّل لقاء البابا مع الشبيية حدثًا بارزًا، لكن من سيتجمّع اليوم في بكركي للقاء الحبر الأعظم ليسوا جميعهم قاطنين في بلد الأرز. في بلد دفن مستقبل شبابه وسيطر على سياساته مسؤولون غير مسؤولين، بات حلم كل شاب الهجرة والبحث عن فرصة في بلاد الاغتراب، والسبب يعود إلى وجود قوى ظلام مدججة بالمال والسلاح والمخدرات والإيديولوجيا، خرّبت مستقبل الشباب وربطت سياسة الوطن بالمحاور الخارجية، وباعت القضية اللبنانية في سوق مفاوضات نووية من هنا أو مناصرة قضية دولة غريبة من هناك.
سيضطر قسم كبير من الشبيبة المسيحيين الذين سيلتقون البابا اليوم إلى حزم حقائبهم والعودة إلى بلاد الاغتراب، حيث مصدر رزقهم. كثر ممن سمعوا أن البابا سيزور لبنان عادوا إلى بلدهم لإلقاء التحية على من يحمل همومهم ومشاكلهم أكثر من المسؤولين عندهم، وبالتالي لا معنى لأي رسم سياسة مستقبلية من دون الحفاظ على الشباب والعمل على استعادة الأدمغة والطاقات التي هاجرت أو هُجّرت.
من البابا القديس يوحنا بولس الثاني إلى البابا بنديكتوس السادس عشر وصولًا إلى لقاء اليوم مع البابا لاوون الرابع عشر، يُشكّل اللقاء مع الشباب المسيحي عنوانًا بارزًا لأي زيارة بابوية إلى بلد الأرز. الشباب متحمّس ومتمسّك بأرضه ووطنه وقضيته وجذوره، لكن الظروف تعاكسه وعوامل الخارج ورياحه أقوى من أحلام شبابيّة تحلم ببناء وطن.
لائحة معاناة الشباب المسيحي واللبناني كثيرة وتطول، من غلاء أقساط المدارس والجامعات، إلى انعدام فرص العمل بعد التخرّج، إلى أزمة السكن وغلاء الشقق والعقارات والوضع الاجتماعي والاقتصادي السيئ في لبنان الذي يؤثر على الشباب وعائلاتهم، لكن العنوان السياسي يبقى الأهمّ وهو الذي يؤثر على كل باقي العوامل.
عندما حصل لقاء الشبيبة الشهير في حريصا عام 1997 مع البابا يوحنا بولس الثاني، حدث ما يشبه انتفاضة شبابية وعودة الأمل والحلم بهذا البلد، وقتها كان زمن الاحتلال السوري والإحباط والاضطهاد المسيحي، وقف البطريرك مار نصرالله بطرس صفير إلى جانب البابا يوحنا بولس الثاني وخاطبا الشباب وكأن هذا اللقاء شكّل الدواء للإحباط.
لم يطلب الشباب المسيحي من البابا يوحنا بولس الثاني معالجة ملفات اقتصادية او تربوية أو اجتماعية، بل في ذهن كل شاب كان هناك أمل بمساعدة الفاتيكان لبنان للتحرّر من الاحتلال السوري ووقف الاضطهاد المسيحي وعودة المسيحيين إلى لعب دورهم بعد سجن قياداتهم ونفيها وإبعادهم عن الحياة السياسية.
وعلى رغم اشتداد الأزمة الاقتصادية والمالية والتربوية، فما يطلبه الشباب المسيحي اليوم هو التخلّص من كل سلاح غير شرعي وبناء دولة قوية قادرة أن تحتكر وحدها السلاح وتعيد هيبتها وتؤمّن مستقبل شبابها. كل المطالب التي يتحدّث عنها الناس مهمّة، لكن من دون حلّ الأزمة السياسيّة واحتكار الدولة للسلاح وعودتها إلى لعب دورها لا تحلّ باقي المشاكل، وبالتالي على الفاتيكان الاستماع إلى صوت الشباب، وعدم الغرق في شعارات ومثاليّات تساهم في هجرة الشباب المسيحي.
سيشاهد الشباب المسيحي في بكركي اليوم البابا، لكن الأهم أن يشاهدهم البابا من أعينهم ومطالبهم، طلبهم وحيد وهو عودة الدولة وتأمين حياد لبنان وعدم ربطه بسياسة المحاور أو طرحه في سوق المفاوضات وخروج مسؤول ليقول إن وجود ميليشيا مسلّحة أهم من الخبز والماء وكأنه وكيل عنهم، الفاتيكان لم يخذل لبنان يومًا، ولن يخزل الشباب اليوم وغدًا.
أخبار متعلقة :