كتبت ديزي حواط في “نداء اوطن”:
ليس من اللحظات العادية أن يقف وطنٌ بأكمله على رؤوس أصابعه مترقبًا وصول طائرة واحدة.
أمس، كان لبنان على موعد مع لحظةٍ كتبت نفسها في ذاكرة هذا البلد المنهك… لحظة هبوط طائرة الحبر الأعظم، البابا لاوون الرابع عشر، على أرض مطار رفيق الحريري الدولي.
منذ ساعات الصباح الأولى، تبدّل وجه المطار وارتفعت فيه درجات الترقب كما حرارة الانتظار. أعلام لبنان والفاتيكان، الابتسامات المرتبكة، الوجوه المتعبة التي جاءتها فرصة لتتنفس قليلًا… كلّها اجتمعت في مكان واحد بانتظار «ضيف الرجاء».
أجراس على امتداد الوطن قرعت تزامنًا مع اقتراب الطائرة البابوية، دوّت أجراس الكنائس المارونية والكاثوليكية والأرثوذكسية من الشمال إلى الجنوب. لم تكن مجرد أجراس، بل نبضات وطن يقول: «ما زال في القلب مكان للأمل».
محطّته السابقة… وإقلاعه نحو لبنان
البابا لاوون كان قد أنهى زيارته في تركيا إلى مائدة غداء جمعتُه بالبطريرك المسكوني برثلماوس الأول، قبل أن يغادر مطار اسطنبول أتاتورك الدولي متجهًا إلى بيروت في زيارة تمتد ثلاثة أيام. زيارة لطالما أُشيع أنها ستتم، ثم تُنفى الشائعات، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة: وصول الحبر الأعظم والتي ساوت شهورًا من الانتظار.
عند الساعة المحدّدة الرابعة الّا ربعًا ظهرت الطائرة البابوية في الأفق. وبدت الخيمة، حيث أُقيم الاستقبال ووقف الإعلاميون، كأنها تستعد للحظة الانفراج.
تشريفات الحرس الجمهوري اصطفوا، طفلان بثياب بيضاء استعدّا لتقديم باقة الورد بلون السلام للبابا، والرؤساء الثلاثة – رئيس الجمهورية جوزاف عون والسيدة الأولى نعمت عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري وعقيلته رندا بري، ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام وعقيلته سحر بعاصيري – وقفوا بانتظار ضيفٍ ليس كغيره.
ومن ثمّ، ما إن وطأ البابا لاوون الرابع عشر أرض لبنان، حتى ظهر على درج الطائرة ولوّح للحاضرين. وبعد أن صافح مستقبليه، توجّه إلى الخيمة لتبدأ المراسم، وكان في استقباله داخلها أيضاً قائد الجيش وعدد من النواب ووزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي.
هو ليس ضيفًا سياسيًا. هو ليس زائرًا عابرًا. البابا يأتي كأبٍ روحي يضع يده على جرح وطن، ويقول بطريقته الهادئة: «لبنان يستحق السلام».
في زمنٍ تُقرَع فيه طبول الحرب، وفي بلدٍ يعيش على وجع أزماته، بدا المشهد وكأنه ومضة طمأنينة…
ضغط الساعات الأخيرة
مدير المركز الكاثوليكي للإعلام المونسنيور عبدو أبو كسم تحدّث لنا عن «الضغط الكبير» الذي سبق وصول البابا، مؤكدًا أن الأمور «تحلحلت في الساعات الأخيرة» وبعدها «شمست الدني»، وكأن الطبيعة نفسها تقول إن هذه الزيارة ستنجح أهدافها الداعية للسلام.
وأضاف: «نأمل أن تكون زيارة خير وبركة للبنان».
أما رفيق شلالا رئيس اللجنة الإعلامية لزيارة البابا فقال بلهجةٍ تحمل الكثير من التمني:
«نريد لهذه الزيارة أن تكون محطة جديدة. البابا يأتي برسالة سلام ورجاء ومحبة… ونأمل أن تبدأ مرحلة راحة للبنان بعد عذاب طويل. نحن نعوّل على هذه الزيارة لتخفف من حدّة الأزمة، فالفاتيكان له دور كبير في هذا الاتجاه».
الموكب نحو بعبدا
غادر الموكب البابوي المطار متوجهًا إلى القصر الجمهوري في بعبدا، وسط إجراءات أمنية دقيقة اعتادها اللبنانيون في المناسبات الكبرى، لكنهم اليوم يتقبلونها بابتسامة. فالضيف يحمل الرجاء والأمل.
من أرض المطار، بدا المشهد واضحًا:
لبنان لم يستقبل شخصية دينية فحسب، بل استقبل فرصة… فرصة ليؤمن من جديد بأن الغد قد يحمل خيرًا، وسلامًا.
أخبار متعلقة :