موقع دعم الإخباري

هل تصمد “خطة ترامب” أمام اختبار غزة؟

جاء في “نداء الوطن”:

تستضيف مصر مفاوضات مفصلية اليوم بين إسرائيل و”حماس” برعاية أميركا والوسطاء حول تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس ترامب لوقف حرب غزة التي تدخل عامها الثالث غدًا. يأتي ذلك بعدما وافقت إسرائيل على خطة ترامب الإثنين الفائت، وإثر ردّ “حماس” على الخطة الذي اعتبره البيت الأبيض إيجابيًا يوم الجمعة. ولكن، رغم التفاؤل الذي رافق إعلان الخطة والآمال الكبيرة المعقودة على نجاح المفاوضات في مصر بوقف التدهور غير المسبوق في وضع الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر على كافة المستويات، هناك تحدّيات ضخمة تواجه تنفيذ الخطة الطموحة التي سيكمن الشيطان في بلورة تفاصيل خطوطها العريضة وآليات تنفيذها، كما أن ردّ “حماس” المبهم والمشروط حول أمور جوهرية في المقترح يُقلّص من احتمال نجاحه في إنهاء معاناة الغزيين.

تقضي المرحلة الأولى من خطة ترامب بوقف الحرب عند موافقة الطرفين على المقترح، ثمّ انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى خط أولي داخل القطاع أعلن ترامب أنه اتفق عليه مع إسرائيل السبت وينتظر الإقرار به من قِبل “حماس”، تمهيدًا لبدء عملية استعادة جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء والأموات دفعة واحدة خلال 72 ساعة من موافقة الأطراف على المقترح، مقابل إطلاق سراح عدد محدّد في الخطة من السجناء الفلسطينيين المحكومين بالمؤبد والمعتقلين من غزة منذ 7 أكتوبر. وافقت الحركة في ردّها على مبدأ إطلاق سراح الرهائن دفعة واحدة من دون ربط ذلك بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، الأمر الذي يُعتبر تنازلًا من الحركة، غير أنها شدّدت على ضرورة مناقشة تفاصيل العملية في مفاوضات من خلال الوسطاء.

بناء على ذلك، تتمحور المفاوضات اليوم حول خط الانسحاب الإسرائيلي الأولي والظروف الميدانية التي تشترطها الحركة لإطلاق سراح الرهائن، كما يرجّح أن تطلب “حماس” جدولًا زمنيًا واضحًا لانسحاب إسرائيل الكامل من القطاع بسبب افتقار خطة ترامب لذلك، فإن الرهائن يشكّلون أقوى أوراق الحركة التفاوضية ومن الصعب عليها أن تتخلّى عنهم من دون التزام إسرائيلي وضمانة أميركية بانسحاب إسرائيل الكامل بناء على جدول زمني. وستحاول الحركة تعديل المدة الزمنية المحدّدة لها بموجب الخطة لتسليم جميع الرهائن، إذ اعتبر القياديان في “حماس” موسى أبو مرزوق وأسامة حمدان أن المهلة غير واقعية. كما ستركّز المفاوضات على أسماء السجناء والمعتقلين الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم مقابل الرهائن.

يتوقف نجاح المفاوضات على مدى قدرة أميركا الممثلة بالمبعوث ستيف ويتكوف وصهر الرئيس جاريد كوشنر على تحصيل تنازلات من إسرائيل، وقدرة الوسطاء العرب على حلحلة تحفظات “حماس” وشروطها. في حال توصلت المفاوضات إلى اتفاق وجرى تنفيذه من دون عوائق، تنصّ خطة ترامب على تسليم الحكم في غزة إلى “لجنة فلسطينية تكنوقراطية وغير سياسية” تتولّى إدارة الخدمات العامة والبلديات تحت إشراف ورقابة هيئة انتقالية دولية جديدة تُسمّى “مجلس السلام” برئاسة ترامب، على أن يُعلن لاحقًا بقية الأعضاء ورؤساء الدول المشاركين، بمَن فيهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.

وإذ وافقت “حماس” في ردّها على تسليم الحكم إلى لجنة تكنوقراط فلسطينية، لم تتناول بشكل صريح مسألة “مجلس السلام”، بل أحالت الفكرة مع بنود أخرى واردة في خطة ترامب إلى النقاش “من خلال إطار وطني فلسطيني جامع ستكون “حماس” من ضمنه وستسهم فيه بكل مسؤولية”، في حين أعرب أبو مرزوق وحمدان عن رفضهما فكرة “مجلس السلام”، الذي اعتبراه بمثابة “وصاية أجنبية” على الفلسطينيين.

إحدى النقاط الشائكة الأخرى في الخطة تتمثل بنصّها على إنشاء قوة استقرار دولية موَقتة ونشرها في غزة بهدف تدريب قوات الشرطة الفلسطينية ودعمها، ومساعدة إسرائيل ومصر على تأمين المناطق الحدودية لمنع تهريب السلاح إلى القطاع. وستسلّم إسرائيل المناطق التي تسيطر عليها تدريجيًا إلى القوات الدولية، حتى تكتمل عملية الانسحاب الكامل من القطاع، باستثناء حزام أمني ستحتفظ به إسرائيل. لم يتطرّق ردّ “حماس” إلى تلك المسألة بشكل مباشر، إذ أحالها إلى النقاش ضمن إطار وطني فلسطيني جامع يشمل الحركة، إلّا أن أبو مرزوق انتقدها بشدّة، بينما رأى حمدان أنها فكرة يرفضها الفلسطينيون.

لا تقتصر التحدّيات التي تواجه نجاح إنشاء القوات الدولية ونشرها، على رفض “حماس” المحتمل للفكرة، بل هناك جملة من التفاصيل التي لا تزال قيد البحث، أبرزها تحديد صلاحيات هذه القوات ومهمّاتها العملياتية وقواعد الاشتباك التي ستعمل بموجبها والقيادة التي ستخضع لها، كما ليس واضحًا بعد من هي الدول المستعدّة للمساهمة بقوات. في هذا الإطار، يحمل قرار المشاركة في القوات الدولية في طياته مخاطر ومتاعب سياسية وعسكرية بالنسبة إلى الدول التي تتخذه، إذ إن وجود القوات الدولية في غزة سيضعها في قلب الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ويعرّضها لشتى أنواع المواجهات المحتملة مع الفلسطينيين والإسرائيليين.

أبرز عقدة أمام تنفيذ انتقال الحكم في غزة والسيطرة التدريجية للقوات الدولية على الأرض، تكمن في عدم معالجة ردّ “حماس” قضيتي تسليم سلاحها ودورها في مستقبل غزة. في السياق، ربط أبو مرزوق وحمدان تسليم السلاح بقيام الدولة الفلسطينية، كما شدّدا على أنه لا يُكمن إلغاء “حماس” من القطاع، مثلما لا يُمكن منعها من المساهمة في رسم مستقبل غزة. هذه المواقف تتعارض جذريًا مع خطة ترامب، التي تنصّ على نزع كامل لسلاح “حماس” والفصائل الأخرى وعدم قيامها بأي دور في حكم غزة بأي شكل من الأشكال، كما تشدّد على أن تكون غزة “خالية من الإرهاب” وألّا تشكّل خطرًا على جيرانها أو ناسها.

رغم تلقفه ردّ “حماس” بإيجابية، يعلم ترامب العوائق العديدة أمام تنفيذ خطته، ويعي قدرة “حماس” على المراوغة والمماطلة في تنفيذ البنود الجوهرية التي تمسّ بالسلاح والوضعية المستقبلية للحركة في القطاع، لذلك حذر من أنه “يجب على “حماس” أن تتحرّك بسرعة، وإلّا فستُلغى كل التفاهمات”، مؤكدًا أنه “لن أتحمّل التأخير أو أي نتيجة تجعل غزة تشكل تهديدًا مرّة أخرى”. وتوعّد بـ “القضاء التام” على الحركة إذا رفضت التخلّي عن السلطة وتسليم السيطرة على غزة وفق مقترحه، فيما كان قد تعهّد عند إعلان الخطة بأنه سيدعم استكمال إسرائيل المعركة مع “حماس” في حال لم توافق الأخيرة على خطته أو ماطلت في تنفيذها.

رغم الانتقادات والملاحظات الكثيرة التي تعرّضت لها الخطة كونها تحقق أهداف إسرائيل المعلنة في غزة، غير أن الدول العربية والإسلامية التي شاركت في صياغتها تمكّنت من تضمينها نصوصًا صريحة تقضي بعدم ضمّ إسرائيل للقطاع وعدم تهجير الغزيين، الأمر الذي يُعتبر إنجازًا مهمًا بعدما كان ترامب يتحدّث منذ بضعة أشهر فقط عن تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”. وبينما لا يزال إنهاء حرب غزة بعيد المنال، أصبح هناك للمرّة الأولى منذ اندلاع الحرب تصوّر يحظى بتأييد دولي واسع النطاق، لكن تبقى العبرة في التنفيذ الذي سيواجه ألغامًا عديدة، بعضها ممكن أن يؤخره، وبعضها الآخر قد ينسفه من أساسه، الأمر الذي من شأنه إقحام الغزيين في حلقة مفرغة جديدة من القتل والتهجير.

أخبار متعلقة :