كتب راشيل علوان في “نداء الوطن”:
انتهت “سكرة” سلام غزة ومعها فرحة الغزيين بوقف الحرب وتوقف شلال الدم، وأتت “فكرة” المرحلة التالية مع ما تحمله من تحدّيات قد تكون الاختبار الأصعب للشعب الفلسطيني والمستقبل الذي يتطلّع إليه، مستقبل فيه الأمن والأمان وأبسط الحقوق.
الساحة الفلسطينية اليوم تقف أمام مفترق تاريخيّ حسّاس بعد توقيع اتفاق السلام حول غزة. فبين التفاؤل بإمكان بناء مرحلة سياسية جديدة تقوم على إعادة إعمار القطاع، وإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، تتصاعد في المقابل مخاوف واقعية من الانزلاق نحو صراع داخلي يعيد الانقسام الفلسطيني إلى نقطة الصفر.
ومع انطلاق مفاوضات “المرحلة الثانية” من الاتفاق الذي رعته واشنطن، والذي يسعى إلى تثبيت وقف النار وإعادة رسم معالم الحكم والإدارة في القطاع، تتزاحم الملفات المعقدة في طريق الاتفاق، طريق لا يبدو سهلًا ودونه تحدّيات كبيرة. والتحدّي الأهمّ يكمن في إنشاء إدارة فلسطينية جديدة بإشراف أميركي مباشر، تكون السلطة الفلسطينية أحد مكوّناتها، من دون إشراك حركة “حماس” في أي هيكل إداري أو أمني.
لكن “حماس” تظهر موقفًا مبدئيًا رافضًا التخلّي الكامل عن السلاح أو التخلّي عن السيطرة الإدارية الكاملة في القطاع، وليست الإعدامات الميدانية العلنية التي نفذتها أخيرًا، كما الانتشار الأمني ومحاولتها إعادة فرض قبضتها داخل غزة، إلّا دليلًا على التعنت الذي تأبى الحركة التخلّي عنه. وبالتالي، المرحلة السياسية الجديدة المنتظرة في غزة بحسب الاتفاق، تثير تساؤلات حول مدى واقعية تطبيقها على الأرض في ظلّ استمرار وجود عناصر “حماس” المسلّحين وتصاعد التوترات الميدانية، وغياب التفاهم بين القوى الفلسطينية.
هذا الوضع الداخلي الهش والفوضويّ في غزة، يعيد إلى الأذهان ملامح الانقسام السياسي الذي نشأ بعد عام 2007، انقسام عمّق غياب الثقة بين الفصائل، وتسبّب في سنوات من الاتهامات المتبادلة والتجارب الفاشلة في المصالحة. لكن مرحلة ما بعد اتفاق غزة ليست كما قبلها، و “حماس” التي تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة، تدرك جيّدًا أنها العقدة وعنصر الحلّ في آن.
وبين الأمل بمرحلة جديدة وخطر تجدّد الانقسام، تقف غزة أمام مفترق طريق يضعها أمام خيارات محدودة في المرحلة التالية. فإمّا تقبل الحركة بالتنازل كلّيًا أو جزئيًا عن سلاحها وسيطرتها الأمنية والسياسية، وبالتالي القبول بإدارة فلسطينية جديدة تدير شؤون غزة والضفة بشكل متوازن، وتحقق إعادة الإعمار وتحسّن الخدمات، وإمّا ترفض “حماس” التنازل عمّا تعتبره حقها المشروع، أي السلاح والسيطرة الأمنية أو السياسية سعيًا منها إلى المناورة بحثًا عن مخرج يحفظ بقاءها في المشهد. مناورة قد تؤدّي إلى تعطيل الانتقال إلى “المرحلة الثانية” من اتفاق السلام وتعميق الانقسام الفلسطيني، وإشعال مواجهات داخلية.
المشهد إذًا لا يوحي بدخول سلس إلى “المرحلة الثانية” من الاتفاق، الذي يمثل بلا شك فرصة نادرة لبدء مرحلة جديدة من الحكم الفلسطيني بإشراف دولي. لكن هذه الملامح الإيجابية تبقى مرهونة أوّلًا بمدى التفاهم بين القوى الفلسطينية في تحديد طبيعة الحكم والتمثيل في اليوم التالي بعد الحرب، وثانيًا والأهمّ بمدى التزام “حماس” بتنفيذ بنود الاتفاق الذي وقعت عليه، من دون مناورة وتجاهل لمصلحة الشعب الفلسطيني الذي سئم الحرب والمعاناة، ويتطلّع إلى السلام الحقيقي والنهائي.
أخبار متعلقة :