موقع دعم الإخباري

تحرّك لبناني لإعادة المحتجزات من مخيمات قسد يُثير غضب دمشق

كتب طارق أبو زينب في “نداء الوطن”:

يشهد لبنان تحركًا أمنيًا وإنسانيًا متسارعًا حول ملف النساء اللبنانيات المحتجزات في شمال شرق سوريا داخل مخيمات تُشرف عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ففي خطوة لافتة، زار وفد من «قسد» بيروت مؤخرًا والتقى المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، في مسعى لإعادة تحريك ملف ظل عالقًا لسنوات بين الحسابات السياسية والتجاذبات الإقليمية .

وتأتي الزيارة في ظل توتر حاد بين الحكومة السورية و»قسد»، يغلب عليه العداء وانعدام الثقة، لا يخفف من حدّته سوى تنسيق ميداني محدود تفرضه الضرورات الأمنية على الأرض.

لقاء أمني لإنقاذ اللبنانيات

ناقش وفد «قسد» خلال زيارته آلية تسليم النساء اللبنانيات المحتجزات في مخيميّ الهول وروج، اللذين يضمان مئات النساء والأطفال من عائلات مقاتلي تنظيم «داعش». وتم التداول في تسليم 13 امرأة لبنانية متزوجات من عناصر التنظيم، إلى جانب محتجزات في سجن غويران بمدينة الحسكة، ليُصبح إجمالي المحتجزات اللبنانيات 19 شخصًا.

وتشير مصادر متابعة لصحيفة «نداء الوطن» إلى أن أي خطوة من هذا النوع تتطلّب تنسيقًا دقيقًا بين الأطراف المعنية لضمان انتقال آمن للمحتجزات وأطفالهن، إذ إن أي خلل في التواصل قد يتحول إلى أزمة أمنية ودبلوماسية معقّدة.

دمشق ترفض تجاوزها

مصادر قريبة من الحكومة السورية أكدت لصحيفة «نداء الوطن» أن أي تسوية حقيقية يجب أن تمر عبر القنوات الرسمية في دمشق، معتبرة أن التواصل المباشر بين لبنان و»قسد» قد يُفسَّر كاعتراف ضمني بشرعية الإدارة الذاتية التي ترفضها دمشق رفضًا قاطعًا .

وأوضحت المصادر أن الحكومة السورية مستعدة للتعاون مع بيروت ضمن إطار رسمي وواضح، لكنها ترى أن التعاطي الحالي مع «قسد» خارج هذا الإطار يزيد التوتر السياسي بين البلدين، في وقت يسعى فيه الطرفان إلى ترميم علاقاتهما الدبلوماسية والأمنية بعد سنوات من الفتور .

خلاف سوري – «قسد» يعقد الحل

تشير المعطيات إلى أن التنفيذ الفعلي للاتفاق ما زال بعيد المنال، إذ تستمر العقبات الأساسية المتمثلة في غياب قرار رسمي لبناني يتيح التواصل المباشر مع دمشق. فالتوتر القائم بين الحكومة السورية و»قسد» حول شكل الحكم والإدارة في شمال شرق سوريا يعقد أي تفاهم، حيث ترفض دمشق أي صيغة للحكم الذاتي وتسعى لاستعادة السيطرة الكاملة على الأراضي السورية. هذا التباين يجعل من الصعب الفصل بين البعدين الإنساني والسياسي، ويقيّد أي تقدم ميداني بقدرة الأطراف على تجاوز الخلافات الإقليمية والدولية .

مقاربة لبنانية إنسانية تواجه عقبات إقليمية

تؤكد مصادر لبنانية متابعة للملف لصحيفة «نداء الوطن» أن الأولوية اللبنانية تبقى إنقاذ النساء والأطفال المحتجزين منذ سنوات في ظروف إنسانية صعبة. ومع ذلك، تواجه الجهود عقبات لوجستية وسياسية تشمل آلية النقل والتنسيق مع دمشق، إضافة إلى التواصل مع العراق وتركيا المجاورتين لمناطق سيطرة «قسد».

وتوضح المصادر أن أنقرة قد تعارض أي خطوة تُفهم كاعتراف بالإدارة الذاتية الكردية، فيما يبدي العراق تحفظًا أمنيًا على مرور أسر مقاتلي «داعش» عبر أراضيه. وتشير المعلومات إلى أن أي عملية تسليم ناجحة تتطلب إعدادًا دقيقًا وخططًا بديلة لتفادي أي عرقلة إقليمية وضمان سلامة المحتجزات وأطفالهن.

تحرك قانوني لبناني

المحامي محمد صبلوح، الموكّل بمتابعة القضية، أوضح لـ «نداء الوطن» أن «قسد» لا تمانع في تسليم المعتقلات إلى السلطات اللبنانية، لكنها تنتظر كتابًا رسميًا جديدًا من بيروت لاستكمال الإجراءات .

وشدّد صبلوح على أن المعتقلات اللبنانيات تحت سلطة جهة غير دولية، ما يضع الدولة اللبنانية أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية عاجلة، مؤكدًا أن القانون الدولي الإنساني يُلزم الحكومة بالتحرك ضمن إطار يحترم حقوق الإنسان. وأضاف أن الهدف لا يقتصر على إنهاء ملف إنساني، بل يشمل حماية صورة الدولة اللبنانية ومسؤوليتها تجاه مواطنيها، مع ضرورة تبنّي برامج لإعادة التأهيل والدمج الاجتماعي للحد من مخاطر التطرف مستقبلًا .

اختبار حقيقي للدولة اللبنانية

يبقى ملف اللبنانيات المحتجزات في شمال شرق سوريا اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة اللبنانية على إدارة الملفات الحساسة التي تتداخل فيها الأبعاد الإنسانية والسياسية والإقليمية. فالإخفاق في التنسيق مع الحكومة السورية يكشف ضعف الاستراتيجية الرسمية ويعرّض جهود استعادة المواطنين للتأخير والمخاطر.

إن معالجة هذا الملف بصورة عاجلة وواضحة، عبر تنسيق رسمي ومنظم مع دمشق، ليست واجبًا إنسانيًا فحسب، بل ضرورة وطنية لإظهار الدولة اللبنانية بمظهر القوة والمسؤولية، وحماية مواطنيها من أن يتحولوا إلى ضحايا صراعات الآخرين. فبين حسابات السياسة وضرورات الإنسانية، يبقى الرهان على قرار جريء يعيد للدولة دورها وهيبتها في الدفاع عن أبنائها داخل حدودها وخارجها.

أخبار متعلقة :