في وقتٍ يعاد فيه رسم خريطة القوى التكنولوجية العالمية، تستعد دبي لاحتضان لحظة محورية في مسار تطور الذكاء الاصطناعي عالميًا، مع انطلاق فعاليات معرض (جيتكس جلوبال 2025)، أكبر معرض عالمي للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وذلك في مركز دبي التجاري العالمي خلال المدة الممتدة من 13 إلى 17 من أكتوبر.
ويأتي المعرض هذا العام في مرحلة محورية، ينتقل فيها العالم من التبني الجزئي للذكاء الاصطناعي إلى صياغة إستراتيجيات وطنية شاملة، تتكامل فيها قوة الحوسبة، والبيانات، والحوكمة، والاستعداد المؤسسي، لبناء اقتصادات أكثر ذكاءً واستدامة.
لذلك سيشهد المعرض هذا العام زخمًا غير مسبوق من القادة العالميين، ورؤساء الدول، وصناع السياسات، الذين يتجمعون لمناقشة الجغرافيا السياسية للذكاء الاصطناعي، والريادة الوطنية في القطاع، وتأمين الاقتصاد الرقمي، مما يجعل هذه الحوارات بمنزلة بوصلة للاقتصاد التكنولوجي العالمي الجديد.
لقاء القمّة بين (OpenAI) و(جي 42):
يتصدّر جدول أعمال المعرض هذا العام ظهور طال انتظاره لسام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة (OpenAI)، الذي سيشارك للمرة الأولى في (جيتكس جلوبال)، إذ سينضم ألتمان إلى بينج شياو، الرئيس التنفيذي لمجموعة (جي 42) الإماراتية، في نقاش افتراضي بارز بعنوان “من التبني المبكر إلى المجتمعات الأصلية للذكاء الاصطناعي: تصور العصر الجديد للذكاء”.
ويُعدّ هذا اللقاء قمة فكرية تجمع اثنين من أكثر القادة تأثيرًا في مسار الذكاء الاصطناعي، ويُنتظر أن يشكّل منعطفًا في النقاش العالمي حول التكامل الشامل للذكاء الاصطناعي داخل المجتمعات، لا لكونه أداة دعم إنتاجية فحسب، بل عنصرًا تأسيسيًا في الاقتصاد والمجتمع والتعليم والإدارة.
وسيركز الحوار في الانتقال من مرحلة التجريب والتبنّي المبكر إلى بناء ووضع الأسس لبناء مجتمعات أصلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي كركيزة أساسية في كل جوانبها، وهي المجتمعات التي تُصمَّم فيها الأنظمة والمؤسسات منذ البداية على أسس معرفية قوية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يؤكد الدور الإستراتيجي المتصاعد لدول الخليج في قيادة هذا المجال عالميًا.
ما أهمية هذا الحوار وتأثيره الإستراتيجي؟
تكمن أهمية هذا الحوار في عدة نقاط إستراتيجية، تشمل:
1- وضع نموذج المجتمعات الجديدة:
يطرح ألتمان وشياو مفهومًا جديدًا يتجاوز رقمنة المجتمعات إلى بناء المجتمعات الأصيلة للذكاء الاصطناعي، أي بناء مجتمعات وهياكل اقتصادية ولدت وتطورت بالفعل باستخدام الذكاء الاصطناعي كنظام تشغيل أساسي لها.
ولتحقيق رؤية المجتمعات الأصلية للذكاء الاصطناعي، ستُعقد نقاشات معمقة تتناول البنى التحتية الذكية وشبكة الذكاء العالمية المستقبلية.
ويشارك في هذه الجلسات قادة من كبرى الشركات العالمية مثل OpenAI، وجي 42، ومايكروسوفت، وسيسكو، وأوراكل، وخزنة داتا سنتر، وسيريبراس. ويركّز هذا المحور في كيفية بناء شبكات معرفية مترابطة تتيح تبادل القدرات الحسابية والنماذج والتطبيقات، بما يضمن تطوير ذكاء اصطناعي أكثر تعاونًا وشفافية واستدامة
ويؤكد هذا التجمع أن التطورات المستقبلية تتطلب تضافر الجهود بين عمالقة الحوسبة والشبكات والبرمجيات، لضمان إنشاء نظام بيئي متكامل قادر على دعم متطلبات الذكاء الاصطناعي الفائق.
2- بناء التحالفات الإستراتيجية والبنى التحتية العملاقة:
يوسّع برنامج (جيتكس وجي 42 للمجتمعات الأصلية في الذكاء الاصطناعي)، نطاق النقاش ليشمل الهياكل المؤسسية والتحالفات الدولية التي تمهد لبناء منظومات ذكاء اصطناعي متكاملة.
ويشارك في هذه الجلسات ممثلون عن شركة (Core42)، ومجلس الأعمال الإماراتي الأمريكي لتسليط الضوء على مشروع مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأمريكي بقدرة تبلغ 5 جيجا واط، الذي يمثل أكبر بنية تحتية للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة.
ويمثل هذا المشروع رمزًا للشراكة العابرة للحدود التي تجمع بين القدرات التقنية الإماراتية والخبرة الأمريكية في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الفائقة والبنى الحوسبية الضخمة.
وتوضح هذه النقاشات أن بناء المجتمعات الأصلية للذكاء الاصطناعي يتطلب تحالفات دولية واسعة واستثمارات ضخمة في البنية التحتية.
3- تطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع:
تُنقل النقاشات من مستوى الرؤى إلى التطبيقات الواقعية على نطاق واسع، إذ سشارك قيادات من منصة (تم) التابعة لحكومة أبوظبي، إلى جانب شركات مثل: OpenAI، وبريسايت، وكور42، وإنسيبشن، وإيه آي كيو، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، لعرض نماذج عملية لكيفية تطبيق الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية، ما يؤكد أن الرؤية قد تحولت فعليًا إلى واقع.
رؤية تتجاوز التقنية:
لا يقتصر اللقاء بين OpenAI وG42 على التعاون التقني فحسب، بل يعبّر عن تحوّل فلسفي عميق في كيفية تصور دور الذكاء الاصطناعي في الحياة البشرية. فبينما تمثل OpenAI المدرسة الفكرية التي وضعت الأسس الأولى للذكاء الاصطناعي التوليدي، تقود شركة جي 42، التحول التطبيقي الواسع في الشرق الأوسط عبر بناء بنى تحتية للذكاء الاصطناعي متكاملة.
ومن ثم، يمكن القول إن اجتماع القطبين في دبي يعكس نقلة عالمية من تطوير النماذج إلى بناء المجتمعات، ومن التركيز على الكفاءة التقنية إلى تصميم مستقبل اقتصادي واجتماعي أكثر ذكاءً وارتباطًا بالإنسان.
دبي مركزًا لتصور العصر الجديد للذكاء الاصطناعي:
يمثل ظهور سام ألتمان الأول في (جيتكس جلوبال)، إلى جانب بينج شياو، نقطة فارقة، إذ إنه يؤكد تحول دبي والمنطقة إلى مركز عالمي لاتخاذ القرار الإستراتيجي في مجال الذكاء الاصطناعي.
كما يُعدّ هذا اللقاء المنتظر بمنزلة إعلان أجندة عالمية جديدة للمجتمعات الأصلية للذكاء الاصطناعي، التي تعتمد على تكامل قوة الحوسبة الإماراتية المتمثلة في شركة (جي 42) والابتكار المفتوح لشركة (OpenAI)، ومن ثم يرسم هذا الحوار بوضوح كيف تتبنى الدول إستراتيجيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق تحول اقتصادي ومجتمعي جذري.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية