مع اقترابنا من حقبة الحوسبة الكمّية، يتزايد القلق بشأن التهديد الوجودي الذي تشكله هذه الحواسيب على أنظمة التشفير التقليدية، فسرعة الحواسيب الكمية العالية للغاية قادرة نظريًا على كسر خوارزميات التشفير الحالية، التي تحمي البيانات في القطاعات الحيوية، ابتداءً من المالية ووصولًا إلى الطاقة.
وفي استجابة استباقية لهذا التحدي المستقبلي، كشف معهد الابتكار التكنولوجي، الذراع البحثية التطبيقية لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي، عن إطلاق نظام تشفير متقدم يعتمد بالكامل على فيزياء الكم، وهو قادر على التصدي للهجمات التي تعتمد على الحواسيب الكمومية، وذلك خلال مشاركته في معرض (جيتكس جلوبال 2025)، أكبر معرض للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في العالم، والمقام حاليًا في دبي ويستمر حتى يوم 17 أكتوبر الجاري.
ويُعد هذا النظام، المصنوع بالكامل في دولة الإمارات، إنجازًا محوريًا يرسخ ريادة الدولة في مجال الأمن السيبراني الكمّي.
فيزياء الكم.. الأساس المنيع للمفاتيح الرقمية الجديدة:
يكمن الابتكار الرئيسي في هذا النظام في تحوله من التشفير القائم على الرياضيات المعقدة إلى التشفير المعتمد على قوانين فيزياء الكم. ففي حين أن المفاتيح التقليدية يمكن للحواسيب الكمية أن تحل معادلاتها الرياضية بسرعة، تعتمد المفاتيح التي يولدها هذا النظام على خصائص كمّية لا يمكن اختراقها، مما يجعلها منيعة أمام أي جهاز كمي أو عادي.
وأوضحت الدكتورة سناء العمائري – بيكا، العالمة الرئيسية في قسم الاتصالات الكمّية الفضائية في المعهد، أن النظام يضمن حماية المعلومات في جميع المجالات الحيوية، ابتداءً من من الطاقة والصحة، ووصولًا إلى القطاع المالي والمعلوماتي. وشددت قائلة: “حينما يُصنع المفتاح أو الكود، نعرف أنه آمن بالكامل من أي محاولة نسخ أو سرقة، لأن أساسه يعتمد على قوى فيزياء الكم التي تمنع أي تدخل”.
آلية العمل.. كشف التنصت الفوري عبر الفوتونات المتشابكة:
يعمل النظام عبر بروتوكول متقدم يستخدم مفهوم التشابك الكمّي (Quantum Entanglement) عبر إرسال فوتونين متشابكين:
- الإرسال: يُرسل أحد الفوتونين للمستخدم الأول والآخر للمستخدم الثاني.
- الأمان الفوري: يمكن لكلا الطرفين مقارنة القياسات والتأكد من أن أي محاولة تنصت أو اختراق عبر خط الاتصال ستكتشف فوريًا، نظرًا إلى حساسية الحالة الكمّية للفوتونات.
ويضمن هذا المبدأ أن الاستثناء الوحيد لإحداث اختراق في النظام هو “وجود شخص فعلي يستخدم الجهاز نفسه”، مما يوفر مستوى من الأمن لا يمكن تحقيقه عبر التقنيات الكلاسيكية.
الأهمية الإستراتيجية.. تأمين البنية التحتية الحيوية:
يمثل إطلاق هذا النظام خطوة استباقية وحاسمة في إستراتيجية دولة الإمارات لتأمين بنيتها التحتية الحيوية ومواكبة حقبة ما بعد الكمّية، ويشمل ذلك:
- الاستعداد للمستقبل: يوفر النظام حلًا جاهزًا لمواجهة التهديد المحتمل من الحواسيب الكمّية، مما يضمن بقاء البيانات الحالية والمستقبلية آمنة.
- الريادة التقنية: يرسخ تصنيع النظام بالكامل في الإمارات ريادة الدولة في مجال تقنيات الاتصالات الكمّية، ويدعم توجهها نحو اقتصاد المعرفة المتقدم.
- الثقة الرقمية: يمنح القطاعات الحيوية، مثل البنوك والرعاية الصحية، الثقة المطلقة بنقل بياناتها الحساسة، مما يعزز الثقة العامة في المنظومة الرقمية.
الإمارات تضع حجر الأساس في الأمن الكمّي:
من خلال نظام التشفير المنيع الذي يوفره هذا النظام الكمّي، لا يقتصر دور معهد الابتكار التكنولوجي على تقديم حل أمني فحسب، بل يضع حجر الأساس في مجال الأمن السيبراني الكمّي على الصعيد الإقليمي والعالمي، إذ إن الاعتماد على فيزياء الكم كمصدر لا يمكن اختراقه لمفاتيح التشفير يمثل بداية لعهد جديد من الحماية الرقمية، ويعزز مكانة الإمارات كمطور رئيسي لتقنيات المستقبل.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية