أخبار عاجلة

عندما يتحوّل “الحزب” إلى ماكينة ترويج لولاية ثانية لسلام

عندما يتحوّل “الحزب” إلى ماكينة ترويج لولاية ثانية لسلام
عندما يتحوّل “الحزب” إلى ماكينة ترويج لولاية ثانية لسلام

كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:

قدّم “حزب الله” من على صخرة الروشة، وعلى طبق من فضة، ما لم يكن في الحسبان: شعبية متزايدة للرئيس نواف سلام. ففي لحظة سياسية حساسة، حقّق له “الحزب” ما عجز عن تحقيقه زعماء ورؤساء حكومات سنة، رغم ما حظوا به من دعم داخلي وخارجي، ورغم الفرص التي أتيحت لهم بعد انكفاء “تيار المستقبل” وغياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد.

وبينما تاه هؤلاء في محاولات ترميم نفوذهم، وجد سلام نفسه من دون جهدٍ يُذكر، في موقع سياسي متقدّم يضعه على خارطة الزعامة السنية واللبنانية. سلام الآتي من خارج المنظومة السياسية التقليدية، استفاد من خصومة “الحزب” أكثر مما تأذّى منها. فالهجمة العنيفة التي شنّها “حزب الله”، بأسلوب خرج عن حدود الأدب السياسي، وإعلاميون غارقون في الانحطاط، لم تضعف صورته بل ثبّتت مكانته. تلك الحملة الظالمة التي تعرض لها، انعكست تعاطفًا شعبيًا وسياسيًا عزّز رصيده. خصومه قدّموه من دون قصد، كصورة نقيضة لهم: رجل دولة متماسك لا ينجرّ إلى لغة الشتائم، بل يقف بهدوء وصلابة في مواجهة حملة تخوين وانفعال.

والأهم أنّ هذه الهدية السياسية غير المقصودة جاءت في توقيت دقيق. فسلام لم يعد مجرد رئيس حكومة سابق مرّ سريعًا على السراي الكبير، بل بات خيارًا جديًا لولاية ثانية، مدعومًا بغطاء عربي ودولي واضح. لحظة ظهوره إلى جانب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في صلاة عيد الفطر حملت رسائل أبعد من البروتوكول، أكدت أن سلام حاضر بقوة في قلب الرياض. وهنا يطرح السؤال البديهي: كيف يسمح “حزب الله” لنفسه بمهاجمته بتلك القسوة، وهو في الوقت نفسه يطالب بفتح قنوات حوار مع السعودية؟ ألا يدرك أنّ سلام هو الباب الأكثر واقعية لولوج هذا الحوار؟

وسط هذا المشهد، يبرز عنصر مفارقة آخر لا يقل دلالة “نادي رؤساء الحكومات السابقين”، فهذا الإطار الذي يُفترض أن يكون المظلّة الطبيعية لأي رئيس حكومة، لا يزال صامتًا إزاء الهجوم على سلام. لم يصدر عنه أي موقف واضح أو دعم مباشر، وكأن الرجل خارج حساباتهم. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل هي حسابات شخصية ضيقة تحول دون الاعتراف بموقع سلام الجديد، أم أن هناك خشية فعلية من أن يتحوّل إلى زعامة بديلة تهمّش حضورهم وتفقدهم دورهم التقليدي؟ في كل الأحوال، بدا وكأن “الحزب” أهدى سلام زخمًا سياسيًا، فيما بيته السني المفترض لا يزال مترددًا في احتضانه.

من هنا، يمكن القول إنّ “حزب الله” أسهم في تكريس سلام كزعيم وطني عابر للمناطق والطوائف، حتى ولو لم يكن ذلك قصده. فقد فتح له أبوابًا ما كان لغيره أن يفتحها: من بيروت إلى السراي الكبير، ومن الداخل إلى الخارج. الهجوم عليه تحوّل إلى وقود سياسي يرفعه بدلًا من أن يضعفه، وأضفى على صورته ما كان يحتاجه: شرعية نابعة من المواجهة مع أقوى لاعب داخلي، مترافقة مع دعم عربي ودولي غير مسبوق.

المفارقة الأكبر أن سلام اليوم يطل لا كمرشح محتمل فحسب، بل كخيار واقعي مطروح بجدية. خصومه ساعدوه، من دون أن يدروا، على عبور امتحان الزعامة. وأي ولاية ثانية محتملة له لن تُسجل كنتيجة لمناورات أو تسويات، بل كحصيلة مسار فرضه الواقع: واقع يقول إنّ “حزب الله” أخطأ الحسابات، وإنّ نواف سلام خرج من هذه الجولة أقوى مما كان، وفي موقع من النادر أن يهديه خصومه إياه.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق انتخابات لبنان: بين إصرار بعبدا وشبح الدم
التالى هل ينتهي الكباش الانتخابي إلى مواجهة حول تركيبة النظام؟