أخبار عاجلة

168 حياة على الحافة… وأمل لبناني ينتظر أن يولد

168 حياة على الحافة… وأمل لبناني ينتظر أن يولد
168 حياة على الحافة… وأمل لبناني ينتظر أن يولد

كتب شربل صفير في “نداء الوطن”:

في أحد شوارع بيروت المزدحمة، يجلس سامر على رصيف متصدّع، يتناول سيجارة بعد يوم عمل طويل في محل صغير. لا أحد يعرف أنه بالكاد يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وأن البيت الذي يتركه كل صباح فارغ وصامت. المقهى في نهاية الشارع صار ملاذه الوحيد، حيث يمكنه سماع صوت آخرين يتحدثون، يضحكون، يعيشون، بينما صمته في البيت يلتهمه كل يوم.

“ما في حدا يسأل إذا أنا بخير، المقهى صار ملاذي… أحس أني مش وحيد”، يقول سامر بعينين خاويتين لـ “نداء الوطن”، يلمح إليه الليل وكأنه صديق وحيد.

سامر ليس استثناءً. في طرابلس وصيدا وبيروت، يهرب مئات المراهقين من بيوت صامتة أو متصدعة نحو الشارع، حيث يجدون في المقاهي الرخيصة والزوايا المظلمة نوعًا من الأمان الموقت. لكن هذا الأمان سرعان ما يتحول إلى فخ، يقودهم نحو المخدرات أو نحو أفكار أكثر قسوة: الانتحار كخلاص أخير.

الأزمة التي تلتهم الجيل

في ظل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي المستمر، صار الشارع هو البيت الحقيقي لكثير من الشباب اللبناني. ليست المشكلة فقط في غياب فرص العمل أو تسرب الطلاب من المدارس، بل في شعور جيل كامل بأن مستقبله سُرق، وأن لا شيء ينتظره سوى فراغ قاسٍ يزداد كل يوم. الليل لم يعد مجرد وقت من اليوم، بل مأوى قاسٍ يبتلع أرواحًا غضّة تبحث عن الأمان فلا تجده.

من المخدرات إلى الانتحار… رحلة قصيرة

في هذا الواقع، تصبح رحلة الانزلاق نحو المخدرات والانتحار أقصر مما نتخيل. دراسة BioMed Central كشفت أن تعاطي المخدرات يزيد من احتمالية التفكير بالانتحار ستة أضعاف. نصف الأطفال يبدأون التعاطي قبل سن التاسعة، وثلثاهم قبل الرابعة عشرة، أي قبل أن يفهموا معنى الأمل والحياة.

في شوارع لبنان، يجتمع المراهقون حول سجائر رخيصة وأحلام صغيرة بالرحيل، لكن كثيرين منهم ينتهون بين صفحات الوفيات أو أخبار مقتضبة على مواقع التواصل: “شاب أنهى حياته”. هكذا يتحول الليل من مأوى إلى شاهد على موت بطيء لجيل كامل.

الغياب الرسمي… وصمت المجتمع

كما يظهر من حجم الأزمة والفراغ الكبير في حماية الشباب، لا مؤسسات تكفل حماية هؤلاء، ولا سياسات وطنية تمنحهم شعورًا بالأمان أو بالأمل. بينما تتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، يظل الشارع والمقهى والزوايا المظلمة الملاذ الوحيد لكثير منهم، حيث يجدون بين الجدران المتصدعة وأصوات السيارات المتقطعة ملاذًا موقتًا من صمت المنزل وقسوة الواقع.

لكن هذا الغياب الرسمي لا ينعكس فقط على حياة يومية قاسية، بل يتحول إلى أرقام صادمة تكشف حجم الكارثة. ففي عام 2023، سُجّلت 168 حالة انتحار، بزيادة بلغت 21.7 % عن العام السابق، وكانت الفئة العمرية الأكثر تضررًا بين 23 و32 عامًا، تليها الفئة ما بين 13 و22 عامًا، أي أن الانتحار لم يعد استثناءً بل ظاهرة تهدد جيلًا كاملًا في أوج شبابه.

الأخطر أن الأزمة تبدأ من سنوات مبكرة جدًا. دراسة وطنية شملت طلاب الصفوف من السابع حتى الثاني عشر كشفت أن 13.45% من المراهقين فكروا بالانتحار مرة واحدة على الأقل خلال عام واحد، ونصف هؤلاء حاولوا بالفعل تنفيذ الفكرة. وفي السياق نفسه، أظهرت الدراسة أن 2.39 % جرّبوا الماريجوانا و1.52 % الأمفيتامين، فيما يؤكد خبراء أن تعاطي المخدرات يزيد احتمالية التفكير بالانتحار ستة أضعاف.

أما على صعيد الصحة النفسية العامة، فتشير تقارير اليونيسف إلى أن 72 % من الأهالي يرون أبناءهم قلقين أو متوترين، و62 % يؤكدون أنهم يعانون الحزن والاكتئاب. وفي مناطق لبنان الأكثر فقرًا، وجدت دراسة ميدانية حديثة أن نحو 25 % من السكان اللبنانيين و43 % من اللاجئين السوريين يعانون من أعراض اكتئاب حاد، فيما تصل نسب اضطرابات القلق إلى 30 % عند اللبنانيين و47 % عند السوريين.

هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات جافة، بل مرآة لواقع يختنق فيه جيل بأكمله بين الخوف والفقر والظلام، جيل يبحث عن طوق نجاة فلا يجد سوى صمت الشارع وبرودة الليل.

الحلول الممكنة… قبل أن يفوت الأوان

لبنان بحاجة اليوم إلى إرادة جادة لكسر هذه الحلقة. فالصحة النفسية يجب أن تصبح أولوية وطنية، تبدأ من المدارس التي ينبغي أن تتحول إلى مساحات آمنة للنقاش والتفريغ النفسي، لا مجرد جدران للتلقين. كما أن إطلاق خطوط دعم ساخنة على مدار الساعة، وإنشاء مراكز ليلية للشباب، يمكن أن يوفرا متنفسًا حقيقيًا بعيدًا من الشارع والليل.

كذلك، يجب أن ترافق هذه الإجراءات حملات توعية وطنية تكسر وصمة الحديث عن الاكتئاب والانتحار، وتشرك الأهل والمعلمين في احتضان الشباب بدل تركهم وحيدين. أما الدولة، فعليها أن تعتبر هؤلاء المراهقين ليسوا مجرد “ضحايا أزمة اقتصادية”، بل عماد مستقبل بلد لا يملك رفاهية خسارة شبابه.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق انتخابات لبنان: بين إصرار بعبدا وشبح الدم
التالى هل ينتهي الكباش الانتخابي إلى مواجهة حول تركيبة النظام؟