كتبت جويس عقيقي في نداء الوطن:
بعنوان “إنهاء الكابوس الطويل” حضر الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” إلى “الكنيست” الإسرائيلي وألقى كلمة تاريخية بشأن إنهاء الحرب في غزة قبل أن يتوجه بعدها إلى مصر للمشاركة في قمة “شرم الشيخ” لتوقيع اتفاقية وقف الحرب في غزة في حضور عدد من قادة الدول الغربيين والعرب.
في الشكل، ارتدى “ترامب” ربطة عنق حمراء ترمز إلى السلطة والقوة والحزم، كيف لا؟ و”ترامب” هو من صنع السلام ورسم ملامح الشرق الأوسط الجديد، مع حليفه الدائم، رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، الذي لم يتردد “ترامب” في دعمه، إلى حد وصل به إلى الخروج عن نص الخطاب المكتوب والطلب على الملأ، في “الكنيست”، من الرئيس الإسرائيلي بالعفو عنه في قضايا الفساد المرفوعة ضده وسط تصفيق الحاضرين.
أما “نتنياهو”، أو “Bibi” كما يحلو لترامب تسميته، فلاقى صديقه في مطالبه وارتدى ربطة عنق زرقاء ترمز إلى السلام والهدوء والثقة والتطمين والدبلوماسية، بمعنى آخر، أراد نتنياهو توجيه رسالة قبول بطرح “ترامب” والسير بخطته للسلام، وأكبر دليل على ذلك قول “نتنياهو” لـ “ترامب”: ملتزمون السلام وفق خطتكم ونمد يدنا للسلام لمن يريده معنا!”.
على أي حال، لم يكتب “ترامب” مجرد خطاب عادي، في لحظة عادية، بل كتب التاريخ، في لحظة مفصلية، في مشهد كان أقرب إلى مهرجان، مهرجان قوة وحزم وسلام انتظره الشرق الأوسط منذ وقت طويل، فكان “ترامب” القيصر الذي أطلق “إمبراطورية السلام” التي ينوي توسيعها لتطال دول الشرق الأوسط، ومنها إيران، كما قال.
وأمام هذا المشهد التاريخي الذي يغير معالم الشرق الأوسط ويرسمها من جديد، يقف لبنان ليس فقط متفرجًا، بل متفرجًا عن بعد، وليس حتى من على مقاعد الاحتياط، بل من وراء الشاشات.
فلبنان لم يحجز لنفسه “Ticket” لمشاهدة المباراة الإقليمية والدولية في “شرم الشيخ”، حيث يعقد اتفاق السلام، فهو لم يدعَ إلى القمة لأنه، حتى الساعة، لا يزال مستبعدًا من المشهد، طالما أن سلاح “حزب الله” لم يسحب بعد.
والخوف كل الخوف، أن تُقطع للبنان “One way ticket” تخرجه من اللعبة الإقليمية والدولية إلى غير رجعة فيضيّع الفرصة الذهبية لـ “العصر الذهبي” الذي تحدث عنه “ترامب” للشرق الأوسط.
ولكن، في كلام “ترامب” بصيص أمل أعطي للبنان، فالرئيس الأميركي، وفي خطوة لافتة ومقصودة طبعًا، تحدث في كلمته في “الكنيست” عن لبنان، لا لشيء سوى لأن “ترامب” أراد تمرير “Pass” دعم إلى رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، على قاعدة: “نحنا معَك، كمِّل!” آملاً أن يتلقف عون الرسالة، فقال “ترامب”: “في لبنان، تم القضاء على خنجر “حزب الله” الذي كان مسلطًا على إسرائيل وإدارتي تدعم رئيس لبنان الجديد في مهمته لنزع سلاح “حزب الله” نهائيًا ونزع الكتائب الإرهابية لـ “الحزب” وبناء دولة مزدهرة تعيش بسلام مع جيرانها، وهو (أي عون) يعمل على ذلك بشكل جيد جداً” وأضاف “ترامب” أن هناك أموراً جيدة تحصل في لبنان.
وكأن “ترامب” أراد أن يبعث، عن سابق تصور وتصميم، برسالة دعم وتشجيع للرئيس عون للمضي قدمًا في مهمة سحب السلاح والانخراط بخطة السلام في الشرق الأوسط، كي لا يبقى لبنان خارج “الديل” ويضيّع فرصة الازدهار على نفسه.
علماً، أنه، وقبل كلام “ترامب”، كان رئيس الجمهورية قال أمام “جمعية الإعلاميين الاقتصاديين” كلامًا إيجابيًا يلاقي طرح “ترامب” قبل أن يعلنه الأخير، فقال عون: “الأوضاع في المنطقة تسير نحو التفاوض لإرساء السلام والاستقرار ولا يمكن أن نكون نحن خارج هذا المسار، بل لا بد من أن نكون ضمنه، إذ لم يعد في الإمكان تحمل مزيد من الحرب والدمار والقتل والتهجير”.
وفي ما يشبه الغمز من قناة “حزب الله” وعدم جدوى الحرب الذي أدخل لبنان فيها، دعا عون إلى “التفاوض” للتوصل إلى حلول، على غرار ما حصل في ملف ترسيم الحدود البحرية برعاية أميركية وأممية سائلاً: “ما الذي يمنع أن يتكرَّر الأمر نفسه؟ وما الذي يمنع التفاوض لا سيما أن الحرب لم تؤد إلى نتيجة؟”
وفي ما يشبه أيضًا دعوة “حزب الله” إلى ألّا يكون ملكيًا أكثر من الملك نفسه (أي “حماس”)، أضاف عون: “إسرائيل ذهبت إلى التفاوض مع “حركة حماس” لأنه لم يعد لها خيار آخر بعدما جربت الحرب والدمار، اليوم الجو العام هو جو تسويات، ولا بد من التفاوض، أما شكل هذا التفاوض فيحدَّد في حينه!”
على أي حال، بين غزل “ترامب” – “نتنياهو” وتصفيق “الكنيست” الحار إثر صفقة العصر بين “إسرائيل” و”حماس” وبين ربطتي العنقين الحمراء والزرقاء، ومشهدية “شرم الشيخ” التي حضرها كبار قادة الدول العربية، لا يزال لبنان يرتدي ربطة عنق رمادية، لا للإشارة إلى الأناقة والبساطة كما يدل الأمر بل إلى الـ “لاقرار” حتى الساعة وضبابية الموقف لجهة تنفيذ سحب سلاح “حزب الله” بشكل جذري، على أمل أن تتحول “رمادية” لبنان إلى “حمراء” عبر دولة قوية قادرة تفرض سلطتها على كامل أراضيها قبل أن تسطَّر بحق لبنان “بطاقة حمراء” تخرجه من اللعبة الدولية!