لبنان في عين الإعصار

لبنان في عين الإعصار
لبنان في عين الإعصار

كتب حسين زلغوط في “نداء الوطن”: 

وضع الموفد الأميركي توم برّاك لبنان مجدّداً على فوهة بركان سياسي وعسكري، حيث حمل كلام برّاك الأخير جملة من التحذيرات التي أوحت وكأن لبنان يدخل مرحلة خطيرة على امتداد أراضيه، وتُعيد إلى الأذهان شبح الحرب، في توقيت داخلي شديد التعقيد.

العاصفة التي أثارتها الرسائل الأميركية الأخيرة لم تمرّ مرور الكرام، إذ سرعان ما جاء الردّ من الداخل اللبناني على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أعلن بصراحة نهاية أي مسار تفاوضي مطروح مع العدو الإسرائيلي، معتبراً أن المفاوضات باتت «في حكم الميتة»، وأن ما تبقّى هو مجرد آلية تقنية لمراقبة وقف الأعمال العدائية، وبذلك يُفتح فصل جديد من المواجهة السياسية وربما الميدانية، عنوانه انقطاع سبل التفاهم، وعودة مناخ التصعيد، في ظل أزمة داخلية خانقة تجعل الخيارات أمام لبنان محدودة وضيّقة.

لقد خرج الموفد الأميركي في عدة تغريدات عبر حسابه على «X» بلغة غير مألوفة، محذّراً من أن لبنان يواجه «تهديداً وجودياً» إذا لم يتحرك باتجاه خطوات عملية لاحتواء التوتر مع إسرائيل، في إشارة واضحة إلى ملف الجنوب وسلاح حزب الله. وجاء التحذير ضمن سياق يُفهم منه أن الضغط الأميركي لم يعد محصوراً بالدبلوماسية الناعمة، بل تحوّل إلى مستوى جديد من التهديد السياسي وربما الأمني.

الرسائل المضمَرة في هذا الموقف تتعدّى التحذير العابر، لتصل إلى تلويح ضمني بإمكانية تحرّك إسرائيلي أحادي الجانب، ما لم تبادر الدولة اللبنانية إلى خطوات واضحة في إطار ما يسمّى بـ«ضبط النفوذ المسلح» وتقديم إشارات حسن نيّة تجاه الحدود.

المناخ الذي خلقته هذه اللهجة التصعيدية وضع الحكومة اللبنانية أمام واقع جديد، خصوصاً أن التحذير لم يأتِ من فراغ، بل تزامن مع تصعيد ميداني مستمر على الجبهة الجنوبية، وطلعات مكثفة وعلى علو منخفض للطائرات المسيّرة في الجنوب والضاحية وبيروت.

وفي ظل هذه التطورات، جاءت مواقف رئيس المجلس النيابي اللبناني لتُشكّل مفصلاً في المشهد. فالرئيس بري، الذي يُعتبر أحد أبرز اللاعبين في ملف الوساطات غير المباشرة، أعلن صراحةً أن «التفاوض قد مات»، واعتبر أن الطريق إلى أي تسوية سياسية مغلق تماماً في ظل رفض إسرائيل المبادرات القائمة، وغياب أي استعداد جديّ من الطرف المقابل للذهاب نحو حلول متوازنة.

الرئيس بري لم يكتفِ بإعلان فشل المسار التفاوضي، بل رسم سقفاً واضحاً لا يُمكن تجاوزه من وجهة نظره: لا تسويات على حساب السيادة، لا تنازل عن الحقوق، ولا مفاوضات في ظل الاحتلال والعدوان. وبهذا، تم وضع حدّ حاسم لأي رهان على اتفاق مرحلي أو إطار تفاوضي جديد.

هذا التحوّل في خطاب رئيس المجلس بعد ان كان زار رئيس الجمهورية جوزاف عون في قصر بعبدا الذي بقي لساعات تحت رقابة طائرة مسيّرة فسّرت عل انها تهديد للبنان، لا يُقرأ فقط كبيان سياسي، بل كإعلان رسمي بأن لبنان بات في مرحلة ما بعد التفاوض، ما يفتح الأبواب أمام خيارات أخرى، أقلّها الجمود، وأكثرها احتمالية التصعيد.

واللافت أن هذا التزامن بين المواقف الأميركية والتحوّلات الداخلية يأتي في توقيت إقليمي مشحون، مع تصاعد التوترات في المنطقة، من عودة العدوان على غزة إلى قصف مناطق في الجنوب اللبناني، مروراً بساحات الاشتباك المفتوحة سياسياً وعسكرياً. هذا التوقيت يطرح تساؤلات حول طبيعة الرسائل المتبادلة بين العواصم، والهدف من رفع سقف التوتر في هذا الظرف تحديداً.

في ضوء كل هذه التطورات، يقف لبنان أمام واقع بالغ الصعوبة. الخيارات المتاحة ليست متعددة، بل كلها محفوفة بالمخاطر: الخيار الأول هو التمسّك بالموقف الرافض لأي تفاوض أو تسوية، ما يعني الاستعداد لمزيد من الضغوط وربما الحرب.

أما الخيار الثاني هو الانخراط في مبادرة دبلوماسية جديدة، لكن ذلك يتطلب وحدة موقف داخلي غير متوفرة حالياً.

والخيار الثالث هو محاولة الحفاظ على الوضع الراهن، أي تثبيت وقف الأعمال العدائية من خلال الآلية الدولية، دون أي تفاهمات إضافية.

لكن في جميع الأحوال، الثابت أن لبنان دخل مرحلة ما بعد التفاوض، ما يعني أن المواجهة – إن لم تكن عسكرية – فهي سياسية بامتياز، وقد تكون مقدّمة لإعادة رسم قواعد الاشتباك لا في الجنوب فقط، بل على امتداد الساحة اللبنانية.

لا شك إن ما يجري اليوم ليس مجرد تصعيد ظرفي، بل تحوّل في قواعد اللعبة. المواقف الأميركية الأخيرة لم تكن مجرد تحذيرات، بل رسائل مبطّنة تحمل تهديداً مباشراً. وموقف الرئيس بري لم يكن مجرد رفض، بل إعلان رسمي بسقوط مسار التفاوض غير المباشر.

وهكذا، يجد لبنان نفسه وسط عاصفة ساخنة، لا يبدو أن تبعاتها ستنتهي قريباً، في ظل فقدان التوازن بين الداخل والخارج، وبين الميدان والسياسة. الجنوب اللبناني مجدّداً على صفيح ساخن، ولبنان برمّته في عين الإعصار.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق سلسلة الغارات على الجنوب خلّفت حرائق في الأحراج
التالى التحضير للانتخابات النيابية على طاولة الحجار