كتبت أمل شموني في “نداء الوطن”:
أثارت أحدث تحرّكات “حزب اللّه” لجهة توسّع نفوذه في أميركا اللاتينية وخاصةً في فنزويلا، قلقًا بالغًا بين المشرعين الأميركيين وخبراء مكافحة الإرهاب. ففي جلسة استماع لجنة مكافحة المخدّرات الدولية في مجلس الشيوخ، كشفت محصّلة النقاش ليس عن قوة “الحزب” فحسب، بل عن يأسه الاستراتيجي. إذ برز تورّطه مع النظام في فنزويلا والعصابات في منطقة الحدود الثلاثية – الأرجنتين، البرازيل، والبارغواي – ليؤكّد كيف أصبح نموذجه في السياسة المدعومة بالسلاح مُضرًا بسيادة لبنان ومكانته الدولية.
وركّز السيناتور جون كورنين، الذي ترأس الجلسة، على سعي “حزب اللّه” للحفاظ على مكانته في لبنان، لا سيّما في ظلّ تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة وعدم الاستقرار المستمرّ في المنطقة وتغيّر النظام في سوريا. وقد فرضت هذه التحدّيات ضغطًا كبيرًا على موارد “الحزب”، ما دفعه إلى إعادة النظر في استراتيجياته للبقاء، خصوصًا مع تزايد عزلته السياسية وتناقص موارده من التمويل الإيراني، الأمر الذي انعكس على اعتماده على العمليات غير القانونية في أميركا اللاتينية. وقال كورنين :”لم يعد الأمر يقتصر على الشرق الأوسط فحسب، بل يتعلّق بمنظمة إرهابية تتغلغل في نصف الكرة الأرضية الغربي بحماية نظام معادٍ”.
بدوره، دق السيناتور شيلدون وايتهاوس ناقوس الخطر، مشيرًا إلى أن تفشي نفوذ “حزب اللّه” في مناطق مثل منطقة الحدود الثلاثية يُثير القلق بشأن قدراته ونواياه. وقال “إن وجود “حزب اللّه” في أميركا اللاتينية، على مدى 50 عامًا، يُشكّل تهديدًا شاملًا يتطلّب تحركًا أميركيًا منسّقًا”. وأكّد وايتهاوس أن عمليات “حزب اللّه” الحالية في أميركا اللاتينية ليست استعراضًا للقوة بقدر ما هي سعي من أجل البقاء.
وتناولت جلسة الاستماع موضوع توغل “حزب اللّه” في “الشبكات الإجرامية في أميركا اللاتينية”. ووضع ناثان سيلز، المنسّق السابق لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية، هذه القضية في سياق أوسع، قائلًا “أصبحت فنزويلا مكانا رئيسيًا لأنشطة “حزب اللّه” الخبيثة في منطقتنا”، مشيرًا إلى “أن “حزب اللّه” يُتاجر بالمخدّرات عبر شبكات إجرامية نشطة في منطقة الحدود الثلاثية، وهو متورّط بشكل خاص في بيع الكوكايين الأسود”. وأشار سيلز إلى أنه “مع ضغط العقوبات على القنوات المالية لإيران وحزب اللّه في الشرق الأوسط، يعتمد التنظيم بشكل أكبر على أرباح المخدّرات في أميركا اللاتينية للحفاظ على وجوده”. في السياق نفسه، أكد مارشال بيلينغسلي، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخزانة الأميركية، هذا القلق بقوله: “فنزويلا أصبحت ملاذًا آمنًا لأخطر منظمة إرهابية أجنبية على الولايات المتحدة”.
وعرضت الجلسة تقارير أشارت إلى أن عمليات “حزب اللّه” في أميركا اللاتينية تُدرّ عشرات الملايين من الدولارات سنويًا، وأن هذا التدفق المالي يأتي بتكلفة باهظة. وكشفت الجلسة عن أن تحوّل “حزب اللّه” نحو الجريمة المنظمة يعكس يأسه وحاجته لاستعمال تجارة المخدّرات وتبييض الأموال كتكتيك للبقاء. فقد سلّطت الجلسة الضوء على نقاط الضعف التي تواجه “حزب اللّه” في ظلّ علاقاته المعقدة مع إيران، وعلى الديناميكيات المتغيّرة في كل من لبنان والمشهد الجيوسياسي الأوسع. وأعرب المشرّعون من الحزبين عن مخاوفهم من ترسيخ “حزب اللّه” نفوذه المتزايد في الشبكات الإجرامية في أميركا اللاتينية، والتي كانت تقتصر سابقًا على مناطق مثل كولومبيا ومنطقة الحدود الثلاثية.
وكشفت الشهادات عن مشهد مقلق حيث تُسهّل الأنشطة التي ترعاها رسميًا فنزويلا شبكة معقدة من المخدّرات وتبييض الأموال وتزوير جوازات السفر. وتشير الأدلة إلى أن مسؤولين فنزويليين أصدروا جوازات سفر لعملاء من “حزب اللّه”، ما سمح لهم بإخفاء هوياتهم وتبييض الأموال، كما أوضح بيلينغسلي.
وفي معرض تشديد الخبراء على أن “حزب اللّه” يواجه ضغوطًا مالية غير مسبوقة، أشار سيلز إلى أنه “مع ضغط العقوبات على القنوات المالية لإيران وحزب اللّه في الشرق الأوسط، يعتمد الحزب بشكل أكبر على أرباح المخدّرات في أميركا اللاتينية لاستمرار وجوده”. يعكس هذا تحوّلًا استراتيجيًا مدفوعًا بالضرورة لا بالقوّة، ما يُبرز هشاشة “حزب اللّه” في سعيه لاستغلال المؤسّسات الإجرامية لتمويل عملياته والحفاظ على مكانته.
في ضوء هذه المداولات في الجلسة، دعا أعضاء مجلس الشيوخ إلى إعادة تقييم للتدابير الأميركية ضد “حزب اللّه”، والضغط باتجاه تمكين دول أميركا اللاتينية من تصنيف “حزب اللّه” كمنظمة إرهابية، وبالتالي تعزيز العقوبات المفروضة على المتعاونين معه.
لسنوات، صاغ “حزب اللّه” نفوذه الخارجي على أنه “محور مقاومة”. إلّا أن جلسة استماع مجلس الشيوخ وتقارير مكافحة الإرهاب تُصوّره شيئًا مختلفًا تمامًا: شبكة تعتمد بشكل متزايد على تهريب المخدّرات، وتزوير الوثائق، والتحالفات الإجرامية لدعم مواردها المالية. هذه الملاحظة، وإن كانت موجّهة إلى مخاوف واشنطن الأمنية، إلّا أنها من شأنها أن تُثير قلق بيروت أكثر. فكل قناة مخدّرات، وكل عملية تبييض أموال مرتبطة بـ “حزب اللّه” في الخارج، تُلطّخ سمعة لبنان في المؤسسات الدولية التي يعتمد عليها البلد بشدّة للتعافي المالي. أما بالنسبة للحكومة، تحمل هذه التطوّرات تداعيات منها تقويض ما تبقى من دعم دبلوماسي للدولة، وترسيخ لبنان على خط صدع جيوسياسي بعيد كل البعد من مصالحه.