تحدث الرئيس فؤاد السنيورة عن اختلاف المشهد اللبناني حاليا عما كان عليه في عام 1992 عندما كان وزيرا للمالية.
وأشار خلال لقاء مع الإعلامي سمير عمر، في برنامج «الجلسة سرية»، على قناة «القاهرة الإخبارية، إلى تقليص الدولة اللبنانية لسلطتها ولهيبتها، لافتاً الى الوجود الإيراني الذي بدأ عام 1982 نتيجة الاجتياح الإسرائيلي، والسياسة التي اعتمدتها إيران من أجل نقل المعارك التي تخوضها بعيدًا عن أراضيها إلى الساحات العربية، ولا سيما على الساحة اللبنانية، وأنها مبنية على نظرية ولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية، ما أدى إلى تراجع دور الدولة.
وتابع السنيورة: “كانوا أكثر مكرًا من الرئيس حافظ الأسد، حيث تمسكنوا حتى تمكنوا، وأصبحوا موجودين أكثر فأكثر كمقاومة، وأيضًا داخل السلطة، فقد أصبحوا موجودين في مجلس النواب، ثم مجلس الوزراء، وزادوا من سلطتهم، بحيث أنه بعد انسحاب سوريا كانوا متمكنين في الدولة اللبنانية، وأصبحوا يسيطرون على الدولة اللبنانية”. مذكرا أنّه “في الفترة من عام 1992 حتى الوقت الراهن والسابع من تشرين الأول 2023 خاض حزب الله معارك عديدة، وتعرض لبنان إلى اجتياحات إسرائيلية، وحدث الاجتياح ما قبل الأخير في عام 2006 عندما ورط حزب الله لبنان في معركة مع إسرائيل دون أن تستشار الدولة اللبنانية”.
وكان يتأمل أن تعلّم هذه التجربة حزب الله والمعنيين بأن هذا الأمر حمّل لبنان الكثير من الأضرار، لكن لم يستخلص الحزب أية نتيجة، وقام بتكرار هذه العملية دون علم الدولة اللبنانية، وورط لبنان في هذه العملية العسكرية بعد 7 تشرين الأول 2023.
وعن علاقته برئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري فقد أشار إلى أنها تعود إلى أيام الدراسة، موضحاً أن في المعترك السياسي كان هناك بعض الحساسيات، فجاء من يقول إن وزارة المالية يجب أن تكون من نصيب الشيعة، وهذا أمر لم ينص عليه اتفاق الطائف على الإطلاق إذ لا يتضمّن أية وظيفة كانت في الدولة اللبنانية، ابتداءً من موقع رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة المجلس النيابي.
وعن المحاصصة الطائفية في البلديات والأحياء والسفراء، لفت السنيورة إلى أن هذا من ضمن ما يسمى الانحراف، والتدرج نحو الهاوية من خلال الممارسات، فهناك أخطاء ترتكب عمليًا باتفاق الطائف، والمشكلة كانت في الممارسات خلافًا للاتفاق وروحه والامتناع عن استكمال تطبيقه. موضحاً أن الحريري اختاره بالحكومات الأولى الثلاثة بناءً على طلبه، والمرة الوحيدة التي تمنى عليه أن يعود وزيرا كانت في الحكومة الرابعة بعد المشكلات التي تعرض لها آنذاك، والتي كانت كلها من ضمن ما يسمى المنازعات السياسية.
وأردف: “إنّ رفيق الحريري تولى المسؤولية كرئيس للحكومة على مدى 10 سنوات خلال 12 سنة، أي منذ عام 1992 حتى 1998، ثم من عام 2000 حتى عام 2004، وألّف 5 حكومات، 3 في الولاية الأولى، و2 في الولاية الثانية”، مع الإشارة إلى أنه كان وزيرًا مسؤولًا عن وزارة المالية في جميع الحكومات التي ألفها الرئيس الحريري.
أمّا عن علاقته بسليم الحُص، قال السنيورة: “ثمّة قاعدة حكمية دائمًا يجب أن نلتزم بها، وهي أنّ الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، العلاقة مع الرئيس الحص بقيت علاقة الاحترام الكبير الذي أكنه له والاحترام والمحبة التي كان يكنها لي، فقد اختلفنا في وجهات النظر في بعض الأمور، ولكن بقي هذا الود”، مردفا “كنت على تواصل مستمر إلى يوم وفاته رحمه الله، فبالتالي هو رجل كان أستاذًا لي، وعندما كان رئيسًا للحكومة رشحني أن أكون رئيسًا للجنة الرقابة على المصارف، وخلال تلك الفترة جرى توجيه اللوم له من قبل القطاع المصرفي بأنه قد أتى بشاب صغير ليتولى مثل هذه المسؤولية، وفسر لي بعد ذلك أن هذه المجموعة التي كانت تنتقد تصرفه وقراره، رجعت عن رأيها وقالت له كان معك حق، وظلت هذه العلاقة مستمرة بشكل طبيعي خلال الفترة التي تولى رئاسة الحكومة ما بين عام 1998 حتى عام 2000”.
وقال: “الحُص اعترف في كتابه بأنه كان هناك نوع من ما يسمى التوجيه الذي كان يمارسه إميل لحود وميشال المر آنذاك بأنهما كانوا مسيطرين على القرار، وبالتالي أحس وأدرك بعد ذلك أنه خُدع بشكل أو بآخر بهذا الشأن، ولكن كان دائمًا هو له المحبة والتقدير والاحترام له والثقة بصدقيته: “وهذا الأمر الحمد لله بقينا محافظين عليه، لكن طبيعي في وجهات نظر مختلفة”.
وأضاف السنيورة: “العماد ميشال عون تولى ما يسمى الحكومة المؤقتة في عام 1989 وأُنهي وجوده في عام 1990 ورحل إلى فرنسا، ولكن عملية إخراجه خلقت له شعبية في الوسط المسيحي حاول أن ينميها بمزيد من التأجيج الطائفي والمذهبي”، محمّلاً إياه المسؤولية في أنه بعصيانه وعدم قراءته للمتغيرات التي حصلت في المنطقة أصبحت سوريا في الموقع الذي حصلت من خلاله على الدعم العربي والدولي من أجل السيطرة على لبنان.
وتابع: “لو أنّ ميشال عون قرأ المعطيات بشكل سليم لفهم هذه المتغيرات وفهم اتفاق الطائف، وبالتالي، كان بإمكانه أن يبقى في لبنان وأن يكون له وجوده السياسي المقبول، ولكن على أساس قبول اتفاق الطائف، إلا أنه رفض اتفاق الطائف، ومن ثم، جرى ما جرى. حتى عندما أصبح رئيسا للجمهورية، كان يخالف الدستور، ولم يكن راضيا باتفاق الطائف الذي لم ينهِ الحرب فحسب، بل جمع بين اللبنانيين، ووضع الإطار للحكم في لبنان”.
وعما إذا كان هناك قوى وقيادات أخرى ساهمت في تأجيج هذه الصراعات، قال السنيورة: “دون أدنى شك، الوضع اللبناني مفتوح على الاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية كافة، ودخلت اعتبارات عديدة بسبب الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، وهناك أيضا العامل الإيراني”، معتبرا ان “اتفاق الطائف أنهى الحرب، ولم يضع بذرة الفتنة لكي تنمو في الأرض اللبنانية”، موضحًا “دستور الطائف يتحدث عن التوافق في اتخاذ القرارات، وإن لم يتحقق ذلك يتم من خلال التصويت، وبالتالي، فإن القاعدة الأساسية هي الديموقراطية”.
وأضاف: “هذا بالنسبة لمجلس الوزراء ولمجلس النواب، ومجلس الشيوخ هو أيضًا من الإصلاحات التي جرى إدخالها والتي لم يجرِ تنفيذها”، مضيفا “فالذي جرى عندما تم اتفاق الطائف، أن الظروف، آنذاك، كانت في الإقليم غير مستقرة بسبب الصراعات العربية- العربية، وبسبب قرار صدام حسين بدخول الكويت، وكانت سوريا موجودة في لبنان منذ عام 1976، ولكن أُعطيت الصلاحية لإنهاء العصيان الذي كان يمارسه ميشال عون كقائد للجيش، والذي كان يعتمد على تأييد من الرئيس صدام حسين، ولم يقرأ جيدًا المتغيرات التي حصلت في المنطقة العربية، ولا سيما بنتيجة دخول الجيش العراقي لدولة الكويت، والقرار العربي والدولي الذي كان يتجه إلى إخراج الجيش العراقي من الكويت، وبالتالي، كان من مقتضيات ذلك، إنهاء حالات التوتر والبؤر الموجودة في المنطقة، وبالتالي كان هناك حالة استعصاء موجودة عند ميشال عون، وللخروج منها، كان هناك توافق عربي ودولي من أجل تكليف سوريا بأن تتولى إنهاء حالة العصيان، ومن ثم، تتولى ملف لبنان، وبعد إنهاء حالة العصيان، تولت سوريا عملية الإشراف على لبنان والسيطرة عليه بحيث أنها التي تولت تطبيق الإشراف على عملية تطبيق اتفاق الطائف، ولكن بالطريقة التي تناسبها وتؤدي إلى مزيد من الإطباق على الوضع اللبناني بحيث أصبح اتفاق الطائف يتم حسب مقتضيات التصور السوري”.
وأشار السنيورة إلى أن “لبنان كان جزءًا من السلطنة العثمانية وحصل الانتداب الفرنسي، ومن ثم تم التوافق على أساس ما يسمى سلبيتين، وهما عدم الذهاب للوحدة مع سوريا، الذي يمثله الجناح الإسلامي أو المسلمين، وأيضًا عدم الموافقة على استمرار الانتداب الفرنسي، وهم المسيحيين”.
وتابع: “ولكن كان هناك غبنًا يشعر به البعض، وبالتالي صار هناك مَن استعمل هذا الغبن من أجل الإخلال بهذا التوازن الداخلي، وهو الذي حصل في اتفاق الطائف، والذي حول استناد إلى هاتين السلبيتين إلى إيجابيتين، وهي أن لبنان وطن نهائي لجميع اللبنانيين، وأن لبنان عربي الهوية والانتماء”، مردفا “فبالتالي نقل هذه المسألة من سلبيتين إلى إيجابيتين، وعلى أساس تم الالتزام بتطبيق اتفاق الطائف، الذي هو الوثيقة الأساسية التي يعتمدها اللبنانيون الآن، والتي يجب أن يحافظوا عليها ويرعوها ويطبقوها بطريقة صحيحة وأن يستكملوا تطبيقها”.
وأضاف: “لبنان يتأثر بالعوامل ليس فقط الداخلية، ولكن بالعوامل الخارجية، ولا سيما أن بلدًا مثل لبنان، الآن طوى العام الخمسين على بدء الحرب الأهلية التي بدأت في عام 1975، وكان ذلك امتدادًا أيضًا لأول عمل أدى إلى المساس بسيادة لبنان، ذلك الاتفاق الذي عقد ما بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1969″، مردفا “أن هذا الاتفاق أدى إلى زج لبنان مباشرةً في مواجهات عسكرية ضد إسرائيل”، ومشيرًا، إلى أن “لبنان كان يخضع للاتفاقية التي جرت في عام 1949، وهي اتفاقية الهدنة، وبالتالي، هذا الأمر الذي مسّ السيادة اللبنانية أدى إلى الإخلال في التوازنات الداخلية اللبنانية، وبالتالي انعكس أيضًا بصراعات في الداخل اللبناني التي نتجت عن استعمال لبنان كساحة أيضًا للمواجهة مع إسرائيل، وبالتالي أدى إلى تراجع دور الدولة اللبنانية، بدلًا من أن تكون صاحبة القرار والسلطة الوحيدة والحصرية في لبنان”.
وختم السنيورة: “أصبح هناك من ينازعها هذه السلطة، وهذا الأمر بدأ من خلال وجود منظمة التحرير الفلسطينية، وانعكس بعد ذلك بوجود أيضًا قوى محلية أيضًا كانت تنازع هذه السلطة مع منظمة التحرير، ومن ثم أدى إلى وجود ميليشيا”.




