كتب منير الربيع في “المدن”:
طغى شعار السلام على ما عداه من مفردات في لبنان، بالتزامن مع زيارة البابا لاوون الرابع عشر، الذي افتتح كلمته الأولى من على الأراضي اللبنانية بالقول: “طوبى لصانعي السلام”. وهو الذي وصفته الشعارات والصور واللافتات التي رفعت في الشوارع والطرقات بـ”بابا السلام”. هذا السلام الذي قال البابا إنه يريده أن يكون مصير المنطقة، ما يؤشر إلى المُراد تحقيقه أو فرضه على مستوى المنطقة وفي لبنان بالتحديد، لا سيما أن زيارة البابا بمضمونها، تؤشر إلى دعم لبنان واستقراره، وهو ما ينشده المسؤولون اللبنانيون ولا سيما رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي دعا أكثر من مرة إلى التفاوض لإرساء الاستقرار المستدام، إلا أن دعواته لم تُستجب.
نتنياهو والإجهاز على السلام
وتيمناً بزيارة البابا إلى المنطقة، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العفو وإنهاء محاكمته، مبرراً ذلك بأنه “في الأشهر المقبلة سيشهد الشرق الأوسط أحداثاً غير عادية، هناك ما يحصل منها هذه الأيام، والتفاهمات التي يجري العمل عليها بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية ودول أخرى، هو أمر يتطلب استعدادات هائلة وجهوداً ديبلوماسية وأمنية على مدار الساعة”. ما يقصده نتنياهو هو محاولات إسرائيل لفرض السلام أو التطبيع بالقوة على دول المنطقة، ولذلك يتزامن كلام السلام مع مواصلة التهديدات الإسرائيلية بشن عملية عسكرية في لبنان ضد حزب الله، إلى جانب مواصلة الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا، مع بروز معلومات عن احتمال التحضير لشن ضربات على الأراضي الإيرانية.
السعودية على خط واشنطن- طهران
في موازاة زيارة البابا، وتعويل لبنان على الضغط الديبلوماسي لمنع التصعيد الإسرائيلي، وبانتظار زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، ووفد ممثلي بعثات الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن، برزت تطورات إقليمية عديدة، أبرزها زيارتان سعودية وتركية لإيران. وبحسب المعلومات، فإن الزيارة السعودية التي أجراها معاون وزير الخارجية السعودي لشؤون السياسة والاقتصاد إلى طهران هدفها وضع المسؤولين الإيرانيين في أجواء زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وسط معلومات عن مساع سعودية للعب دور بين واشنطن وطهران في سبيل تجديد المفاوضات والوصول إلى اتفاق.
حلٌّ وسط لأزمة التخصيب
وبحسب المعلومات، فإن المساعي التي تبذل على هذا الصعيد هي الوصول إلى تقاطعات مشتركة بين طهران وواشنطن حول تجديد المفاوضات حول الاتفاق النووي، فإيران تقول إنها أوقفت التخصيب في هذه المرحلة، ولكنها تطالب بالحصول على حقها بالتخصيب على الأراضي الإيرانية. وهنا تفيد المعلومات بأن المقترح السعودي هو السماح بالتخصيب على الأراضي الإيرانية ولكن بنسبة منخفضة، وتحت رقابة دولية وأميركية حتى، علماً أن التخصيب سيبقى متوقفاً لثلاث سنوات، بانتظار عمليات ترميم المنشآت.
هواجس تركيا في الملف الإيراني
أما زيارة وزير خارجية تركيا هاكان فيدان لإيران فلها صلة أيضاً بكل التطورات في المنطقة وكيفية تلافي التصعيد، وسط معلومات أن الأتراك لديهم معطيات حول تحركات واستعدادات إسرائيلية لتوجيه ضربة ضد أهداف إيرانية، كما أن أنقرة لديها خشية من حصول أي تطورات في إيران تؤدي إلى تدهور في حالة النظام أو سقوطه، خصوصاً أن الكثير من المعلومات الديبلوماسية والأميركية تحدثت في فترات سابقة عن حصول تغيير حتمي في إيران، إما عبر عملية عسكرية وإما من خلال المفاوضات والوصول إلى اتفاق.
لبنان وسوريا في صلب الزيارتين
بحسب المعلومات، فإن الزيارة السعودية بحثت مع طهران إلى جانب التفاوض على الملف النووي، بملفات لبنان وفلسطين واليمن، سعياً وراء الوصول إلى حل ومنع تفاقم الأزمات في كل منها، وخصوصاً في لبنان الذي لا بد من اقتناع إيران بتغيير موقف حزب الله حيال ما هو معروض. أما الزيارة التركية فقد بحثت مع الإيرانيين في ملفات عديدة، أبرزها كيفية تلافي التصعيد مع إسرائيل، ومنع حصول أي اهتزاز في سوريا، ومطالبة إيران بعدم دعم أي تحركات في الداخل السوري هدفها إضعاف سلطة أحمد الشرع لا سيما في الساحل، إضافة إلى ضرورة ضبط الوضع السوري، خصوصاً بعد العملية الإسرائيلية في بيت جن والمخاوف من لجوء إسرائيل إلى مواصلة عملياتها هناك سعياً وراء فرض وقائع جديدة.
“سلام” إسرائيلي… بالقوة!
بين زيارة البابا، والوفود الدولية الأخرى، لا يملك لبنان، على ما يبدو، إلا “الرجاء” في نجاح المساعي الديبلوماسية لمنع التصعيد. وأما إسرائيل فلا تزال تسرّب أخباراً ومعلومات عبر قنوات مختلفة، بأنها قد اتخذت قرارها بشن عملية عسكرية قوية في لبنان، وأنها لا تستثني تنفيذ عمليات عسكرية في جنوب سوريا أيضاً، في سعيها إلى الربط بين الجبهتين، وغايتها من وراء ذلك هي فرض وقائع جديدة لفرض “السلام”.




