بين تصعيد إسرائيلي متوقع وانتظار ثقيل لقمة ترامب – نتانياهو في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، يبدو لبنان عالقا في غرفة انتظار كبرى، تقرع فيها طبول الحرب بلا موعد، وتطلق فيها المبادرات بلا أفق. فتل ابيب ترفع سقف تهديداتها، في اطار لعبة «ادارة الوقت بالنار»، مستثمرة «الفراغ السياسي» الأميركي قبل أن تتبلور ملامح ما سيخرج به اللقاء المنتظر في واشنطن، فيما حزب الله مستمر في رفعه المتدرج لوتيرة خطابه، وآخره كلام امينه العام بالامس، في سياق معادلات الردع الجديدة التي يعمل على ارسائها.
فالتهديدات الإسرائيلية، المتدرجة في لهجتها والمفتوحة في احتمالاتها، ليست سوى رسالة ضغط مزدوجة: أولا، على الداخل الإسرائيلي الذي يطالب بنتائج حاسمة بعد طول استنزاف، وثانيا على المنطقة ككل، خصوصا لبنان وغزة، لإبقاء الجبهات تحت السيطرة النارية من دون الانزلاق إلى الانفجار الكبير، حتى إشعار آخر، ارتباطا بما سيقوله ترامب، وما سيطلبه نتانياهو، وما إذا كان الضوء الأخضر سيعطى أو سيؤجل.
في المقابل، يملأ هذا «الوقت الضائع» بسلسلة مبادرات فرنسية وعربية، تتحرك بين العواصم كمسكنات سياسية أكثر منها حلولا جذرية. فباريس عادت إلى «عادتها»، حاملة أفكارا عن تهدئة وضمانات وترتيبات أمنية، فيما تتحرك القاهرة تحت عنوان منع الانفجار، لا صناعة التسوية. مبادرات تعرف مسبقا حدودها، لكنها تطرح لقطع الطريق على الأسوأ، أو على الأقل لتأجيله.
هكذا، يصبح المشهد اللبناني رهينة ساعة واشنطن. «إسرائيل» تهدد ولا تضرب، الديبلوماسية تبادر ولا تحسم، والمنطقة تراكم القلق بانتظار صورة تذكارية في البيت الأبيض قد تشعل فتيلا أو تطفئ آخر. وإلى ذلك الحين، يبقى لبنان معلقا بين حرب مؤجلة وسلام معلق.
قاسم
وفيما الساحة اللبنانية في حالة ترقب ثقيل انتظارا لما ستحمله الايام القليلة المقبلة عسكريا وأمنيا، وسط زحمة المحطات والمواعيد، التي تساهم في تحديد المسار الذي ستسلكه الامور، اطل الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ليؤكد خلال «التجمع الفاطمي» الذي اقيم في مجمع سيد الشهداء، «أنّ لبنان دخل مرحلة جديدة منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، تختلف عمّا سبقها وتفرض أداءً مختلفًا على مختلف المستويات»، مشدّدًا على أنّ الدولة أصبحت اليوم مسؤولة عن تثبيت سيادة لبنان واستقلاله، فيما قامت المقاومة بكل ما عليها لجهة تطبيق الاتفاق ومساعدة الدولة»، مشددا على أنّ المهمّة الأساسية للمقاومة هي التحرير، وأنّها تقوم على الإيمان والاستعداد للتضحية.
واوضح قاسم، أنّ منع العدوان ليس من وظائف المقاومة، بل من مسؤولية الدولة والجيش، فيما تقتصر وظيفة المقاومة على مساندتهما والتصدّي عندما لا تقوم الدولة والجيش بواجباتهما، ومنع استقرار العدو والمساعدة على التحرير، مشيرا الى استعداد المقاومة لأقصى درجات التعاون مع الجيش اللبناني، وموافقتها على استراتيجية دفاعية تستفيد من قوة لبنان ومقاومته، رافضًا في المقابل أي إطار يشكّل استسلامًا للولايات المتحدة وإسرائيل.
كما شدّد على أنّ مشكلة الدولة ليست حصرية السلاح، معتبرًا أنّ الطرح القائم لحصرية السلاح هو مطلب أميركي – إسرائيلي، وأنّ اعتماده يؤدّي إلى إضعاف قوة لبنان، لافتًا إلى أنّ أزمة الدولة الحقيقية تكمن في العقوبات والفساد، خاتما بالتأكيد أنّ الاستسلام يعني زوال لبنان، محذّرًا من أنّ الكيان الإسرائيلي يواصل تهديداته، وأنّ الاستسلام يفتح الطريق أمام وضع لبنان تحت الإدارة الإسرائيلية، ما يؤدّي في النهاية إلى زواله.
لقاءات باريس
وليس بعيدا يتوقع ان تشهد العاصمة الفرنسية باريس اجتماعا يعقد مساء 17 – 18 كانون الاول، يضم كلا من: الموفدة الاميركية، مورغان اورتاغوس، الموفد الفرنسي، جان ايف لودريان، الموفد السعودي، الامير يزيد بن فرحان، لبحث الملف اللبناني وعلى جدول اعماله استكمال تطبيق 1701، التزام الحكومة اللبنانية حصر سلاح حزب الله جنوب الليطاني ووضع أطر المرحلة الثانية شماله، الإصلاحات الاقتصادية والمالية، والانتخابات النيابية.
على ان يعقد في 18 اجتماع بين الثلاثة ينضم اليه قائد الجيش العماد رودولف هيكل، حيث سيعرض مسار ما تحقق جنوب الليطاني، وحاجات الجيش اللبناني، لاستكمال المهمات المطلوبة منه، كما ستناقش مسـالة عقد مؤتمر لدعم الجيش اللبناني، والذي تضغط على خطه باريس.
اجتماع الميكانيزم
في غضون ذلك، يتوقع ان تجتمع لجنة «الميكانيزم»، حيث يتوقع ان يحمل السفير سيمون كرم جدول الاعمال اللبناني الرسمي بنقاطه الاربع لبدء التفاوض الجدي حوله، توقعت مصادر مواكبة ان شد الحبال على طاولة الناقورة سيكون على اشده، ذلك ان الامور عادت الى المربع الاول، خصوصا في ظل اصرار اسرائيلي مدعوم اميركيا، على فصل المسارات السياسية عن العسكرية، وبالتالي تغطية التصعيد والضغط الميداني القائم.
هذا وعلم ان الموفد الفرنسي جان ايف لودريان سيشارك في اجتماع الميكانيزم في 19 الجاري، بوصفه رئيسا لوفد بلاده، حيث سيحمل معه طرحا بدأت بوادره تتبلور في باريس وسيطرح على اللقاء الرباعي في قمة 18 يقضي بتشكيل لجنة عسكرية منبثقة من الميكانيزم برئاسة اميركية او فرنسية مهمتها التاكد من العمليات التي نفذها الجيش اللبناني على صعيد حصر السلاح جنوب الليطاني، ورفع تقرير بذلك الى الميكانيزم ومنها الى العواصم المعنية.
وفي تطور ميداني لافت، وبعد تنفيذ الجيش اللبناني بمعاونة «اليونيفيل» مهمة تفتيش بعض الاملاك الخاصة في يانوح، دون العثور على أي شيء، بناء على طلب «الميكانيزم»، عاد وتجدد الطلب بالدخول الى احد الاملاك الخاصة التي سبق تفيتشها فحصل سوء تفاهم مع بعض الاهالي سرعان ما تم حله، قبل ان تعود اسرائيل وتصعد، مهددة بتدمير المنزل، ما دفع بقوة من الجيش الى اتخاذ اجراءات جدية مع قوات اليونيفيل لمنع ضرب المبنى، الذي استقرت داخله مع صاحب المنزل ورئيس البلدية، حيث جرت عمليات حفر بينت وجود حائط دعم تحت المنزل وحفرة ملأى بالردم دون العثور على أي سلاح او ذخائر.
وفي تقييم لزيارة عمان تكشف مصادر ديبلوماسية عربية، ان رهان بيروت على دور عماني في ما خص الملف اللبناني، في مكانه، فالسلطنة قادرة على نقل الرسائل وفتح خطوط التواصل غير المباشرة بين طهران و «وخصومها»، اما في الشان اللبناني فان ثمة تواصلا مباشرا بين طهران وبيروت ولقاءات بين المسؤولين في البلدين، وكذلك ثمة خطوط ايرانية – سعودية، وايرانية – مصرية وايرانية – فرنسية، مفتوحة حول الملف اللبناني.
استياء سوري
في غضون ذلك، ورغم كلام رئيس المهورية بالامس واشتراطه لزيارة دمشق، رغم اشارته الى ان العلاقات «جيدة»، مع ما يحمله هذا التوصيف من معنى ديبلوماسي، فان «زوار» العاصمة السورية، ينقلون عن قيادتها استياءها مما يعتبرونه مماطلة ومراوحة في حل المسائل العالقة وابرزها ملف الموقوفين، الذي يعبر الباب الاساس لتحسن العلاقات بين البلدين، والطريق الالزامي لتطوير العلاقات التي لا يزال يعرقلها هذا الملف ، وقد تم ابلاغ المعنيين بملف العلاقات بين لبنان وسوريا، من اميركيين وسعوديين بهذه المعطيات.
في المقابل، تكشف مصادر لبنانية وزارية ان المطلوب سوريا، لا يمكن ان يمر دون وجود اتفاقات تراعي القوانين اللبنانية المرعية، فضلا عن ان ثمة خطوطا حمرًا متفقا عليها لبنانيا لا يمكن كسرها او تجاوزها تحت اي اعتبار، مشيرة الى ان الجانب السوري بدوره، يماطل في ملفات كثيرة ومنها ترسيم الحدود، حيث ان دمشق لا تزال حتى الساعة تتهرب من هذا الاستحقاق تحت عناوين وحجج مختلفة، رغم الضغوط الدولية، وتحديدا الفرنسية، والعربية – الخليجية الممارسة عليها.
قانون الانتخابات
انتخابيا، الكباش على القانون النافذ مستمر وسط مخاوف من ان يؤدي ذلك الى تأجيل الاستحقاق، فيما سجل امس سجال اعلامي جديد على خط عين التينة – معراب، اذ أكّد رئيس حزب القوّات اللبنانيّة، سمير جعجع، أنّ «تعامل رئيس مجلس النواب مع مشروع القانون المعجّل الوارد من الحكومة حول تعديل قانون الانتخابات النيابية يُشكّل خرقاً واضحاً وفاضحاً وضرباً لعرض الحائط بالمهل الدستوريّة، وهذا ما يعد أساساً خرقاً للمادة 5 من النظام الداخلي للمجلس»، معتبرا أنّ «الاستمرار في هذا النهج يهدّد الانتخابات بحدّ ذاتها ويُكرّس منطق اللادولة، ومواجهة هذا التعطيل أصبحت واجباً وطنياً لحماية الدستور، والانتظام العام، وحقّ اللبنانيين في تقرير مصيرهم».
من جهته، رد المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، النائب علي حسن خليل، موضحا أنّه «تصحيحاً لمفاهيم جعجع القانونية الخاطئة وحرصاً على فهم جمهوره قبل أي أحد آخر، نؤكد أن استخدامه لمصطلحات من طينة خرق وضرب المهل الدستورية لا يعني أن ذلك حصل بل على العكس، والمادة الخامسة من النظام الداخلي لمجلس النواب تؤكد في نصها عكس ما رمى اليه جعجع تماماً وندعوه لقراءتها بتمعن و الاستعانة بصديق له كالنائب جورج عدوان الذي سُمّي القانون باسمه».




