كتب أندريه مهاوج في “نداء الوطن”:
يعود قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل من باريس بكلام نوايا متكرر بتقديم الدعم للجيش وبمؤازرته في تنفيذ مهمة حصر السلاح مع إعلان مبدئي بعقد مؤتمر دولي لدعم الجيش بالمال والعتاد في شهر شباط، وفقًا لما أعلنته الخارجية الفرنسية، من دون أن ترفق هذا الإعلان بآلية تنفيذية وخريطة واضحة لتنظيم المؤتمر ومكان انعقاده ومستوى المشاركة المتوقعة أو سقف المساعدات المنوي جمعها، معتبرة أن الأهم ليس الأسماء أو الهويات الفردية التي ليست من الأمور الجوهرية. وتجاهل الناطق باسم الخارجية الإجابة على سؤال من “نداء الوطن” عن مكان انعقاد المؤتمر، ويأتي هذا الطرح، في وقت يُعاد فيه التداول بفكرة المؤتمر منذ أشهر، من دون أن تفضي حتى الآن إلى خطوات ملموسة. ويبدو أن إعادة التأكيد الفرنسي على موعد شباط، لا تخرج عن إطار تجديد الوعد السياسي، في ظل استمرار ربط أي دعم نوعي بتقدم لبنان في تنفيذ التزاماته الأمنية، ولا سيما في ملف حصر السلاح بيد الدولة، كما أن اجتماع باريس الذي حضره هيكل إلى جانب مورغان أرتاغوس عن الولايات المتحدة وجان إيف لودريان وآن كلير لوجوندر عن فرنسا والأمير يزيد بن فرحان عن المملكة العربية السعودية انتهى من دون أي مساعدات للجيش ذات طابع غير استثنائي مع إعلان المشاركين في اجتماع باريس استمرار تقديم الدعم الذي يحصل عليه الجيش من بعض الأصدقاء وبشكل دوري.
تأكيدات بالحرص على الاستقرار
سمع الجنرال رودولف هيكل تأكيدات سياسية متجددة، بالأخص من فرنسا، بالحرص على الاستقرار في لبنان، وتحريك كل الجهود السياسية لتفادي أي عملية عسكرية واسعة، وفق ما أفادت به في وزارة الخارجية الفرنسية. غير أن هذه التأكيدات بقيت في إطار التوجهات العامة، من دون أن تُرفق بأي التزامات تنفيذية فورية أو مساعدات مباشرة ذات طابع استثنائي .
إذا كان الجنرال هيكل تمكن من عرض التقدّم المحقق في تنفيذ خطة استعادة احتكار الدولة اللبنانية للسلاح، فإنه عرض في الوقت نفسه الاحتياجات المحددة للقوات المسلحة اللبنانية من أجل تحقيق هذا الهدف، بحسب وزارة الخارجية الفرنسية التي أوضحت أنه وبمقابل العرض التفصيلي لهيكل فإن المشاركين في الاجتماع تمكنوا من تسجيل تقييم جماعي إيجابي لالتزام القوات المسلحة اللبنانية، وللتضحيات التي قدّمتها في إطار هذا الجهد. وهناك إجماع على ضرورة توثيق هذا التقدّم بشكل جدي، ونحن نعمل على هذا الأمر ضمن إطار الآلية المعتمدة.
آلية وقف النار
ما حصل عليه هيكل من هذا الاجتماع، هو دعوة واضحة إلى خفض التصعيد، ولا سيما في جنوب لبنان. وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية في هذا الصدد: “نحن نراقب عن كثب ما يجري هناك، وندين الضربات عندما تؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين في جنوب لبنان ، ونعمل على تزويد آلية مراقبة وقف إطلاق النار بوسائل ملموسة على الأرض، من أجل توثيق تقدّم انتشار القوات المسلحة اللبنانية، وكذلك توثيق نزع سلاح “حزب الله”، ولا سيما في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني. وهذا هو المقصود بما أشار إليه وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو وتحدّث عنه في مطلع الأسبوع في بروكسل”.
في المقابل، سمع قائد الجيش خلال لقاءاته في باريس مواقف فرنسية واضحة، عبّر عنها مسؤولون سياسيون وعسكريون، عن مخاوف جدية من تدهور الوضع الأمني في حال استمرار التباطؤ أو الالتباس في ملف سحب سلاح “حزب الله”. وقد شدّد هؤلاء على ضرورة وضع آلية واضحة، قابلة للتحقق والتطبيق، لاستكمال عملية حصر السلاح على كامل الأراضي اللبنانية، مع تنبيه صريح من مغبة التساهل في هذا الملف أو إخضاعه لمساومات سياسية داخلية. وهذا ما ركزت عليه أورتاغوس، بحسب مصادر المجتمعين. وبدت واضحة في الحديث بإيجابية عن عمل الجيش جنوب الليطاني. وكررت موقف بلادها بأن الأمر يبقى غير كاف وأن قدرات الجيش محدودة ولكن لا بد للسلطات السياسة أن تضغط بشدة لتحقيق هدف نزع السلاح.
مهلة 31 كانون الأول
وتلاقى المجتمعون على دقة المرحلة، وعلى ضرورة تنفيذ وقف النار كاملًا. ولكن، لم تقدم ضمانات بحمل إسرائيل على تنفيذ خطوات مقابل استكمال نزع السلاح جنوب الليطاني. واكتفى الناطق الفرنسي بالقول: “إن هدفنا هو التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي يشكّل نزع سلاح “حزب الله” جزءًا أساسيًا منه. وهناك بالفعل مهلة نهائية محددة في 31 كانون الأول. ويتمثل دورنا في دعم الجهود اللبنانية لاحترام هذه المهلة، وإذا دعت الحاجة إلى تمديدها، فسيبحث الشركاء هذا الأمر. ولا أريد أن أستبق قرارهم، الذي سيُتخذ في الوقت المناسب”.
وفي هذا الإطار، نشر قائد الجيوش الفرنسية الذي التقى العماد هيكل، عبر منصة “إكس”، مواقف تؤكد دعم فرنسا للجيش اللبناني، مع التشديد في الوقت نفسه على أهمية تحمّل الدولة اللبنانية مسؤولياتها الأمنية، وتعزيز دور الجيش كقوة شرعية وحيدة قادرة على ضمان الاستقرار، في إطار احترام السيادة اللبنانية ومنع الانزلاق نحو مواجهة أوسع.
كما برز خلال النقاشات ملف مستقبل قوات “اليونيفيل” في جنوب لبنان، في ظل التساؤلات المتزايدة حول قدرتها على الاستمرار بصيغتها الحالية. ووفق مصادر مطلعة، جرى البحث في سيناريوات محتملة، من بينها تعزيز دور الجيش اللبناني تدريجيًا وتوسيع نطاق مهامه، أو البحث في صيغ دعم دولية بديلة أو مكمّلة، شرط أن يكون الجيش في موقع يسمح له بتولي مسؤوليات أكبر على الأرض، أمنيًا ولوجستيًا، ولكن النقاش ترك مفتوحًا على طروحات متجددة.
وفي المقابل، لم يحصل قائد الجيش على أي ضمانات مقابلة تتعلق بالمطالب اللبنانية، سواء لجهة الضغط من أجل انسحاب إسرائيلي، أو وقف الاغتيالات، أو الإفراج عن معتقلين. إذ بقي التركيز منصبًا، من الجانب الفرنسي وشركائه، على أولوية المسار الأمني الداخلي، وعلى ربط أي دعم إضافي بمدى التقدم في تنفيذ التزامات حصر السلاح وبسط سلطة الدولة.
خلاصة اجتماع باريس، أن الدعم الفرنسي والدولي للجيش اللبناني لا يزال قائمًا على المستوى السياسي، لكنه يبقى مشروطًا ومحدودًا في ترجمته العملية. وبين مؤتمر يُعاد الوعد به من دون حسم تفاصيله، ومساعدات تهدف فقط إلى تفادي الانهيار، وتحذيرات واضحة من كلفة المماطلة في ملف السلاح، يعود قائد الجيش إلى بيروت وسط ضغوط متزايدة، في مرحلة تضيق فيها هوامش المناورة وتتسارع فيها الاستحقاقات.




