موقع دعم الإخباري

لبنان بين زيارتين دوليتين: رسائل دعم واستحقاقات جنوبية دقيقة

كتبت لينا الحصري زيلع في “اللواء”:

أقفل الأسبوع الماضي على الزيارة اللافتة التي قام بها وفد سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى بيروت، في خطوة عكست عودة الاهتمام الدولي بالوضع اللبناني بشقّيه السياسي والأمني، خصوصاً في ضوء التطورات المتسارعة على الحدود الجنوبية. وقد حملت هذه الجولة رسائل دعم واضحة للدولة اللبنانية، لكنها في الوقت نفسه شكّلت اختباراً لمدى التزام لبنان بالمسار التفاوضي الجاري ونجاعة خطواته الأمنية على الأرض.

ولم تكد بيروت تلتقط أنفاسها بعد هذه الجولة الدبلوماسية الهامة، حتى افتُتح الأسبوع الحالي بزيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، الذي وصل مجدّداً إلى العاصمة اللبنانية، من دون أن يحمل مبادرة فرنسية جديدة، بل ليعيد التذكير بأن باريس مستمرة في الوقوف إلى جانب لبنان، ولتثبيت حضورها في الملفات الشائكة التي تتقدمها مفاوضات «الميكانيزم» وخطة انتشار الجيش جنوباً.

وفي هذا الإطار اكدت مصادر سياسية مواكبة «اللواء» بان لودريان لم يأتِ هذه المرة لطرح أفكار جديدة، ولكنه في المقابل حمل ثلاثة أهداف أساسية:

أولا: إبلاغ اللبنانيين أن فرنسا لن تنسحب من دورها التقليدي مهما كانت الظروف والتحديات.

ثانيا: متابعة التطورات المتعلقة بعمل لجنة «الميكانيزم» التي تتولى إدارة التواصل بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية – أممية.

ثالثا: التنسيق مع السلطات اللبنانية حول خطة الجيش لإعادة الانتشار جنوب الليطاني وسحب السلاح غير الشرعي ضمن المدى الزمني المحدد لنهاية المرحلة الأولى مع نهاية العام.

وترى المصادر أن لودريان يستفيد من المناخ الدولي الضاغط باتجاه الحفاظ على الاستقرار في الجنوب، في ظل المخاوف المتزايدة من أي تبدّل في مهام «اليونيفيل» أو مصيرها بعد عام 2026، وهي النقطة التي شغلت الرؤساء الثلاثة خلال لقائهم سفراء مجلس الأمن الأسبوع الماضي.

أما على خط مفاوضات «الميكانيزم» فان المصادر تعتبرها بأنها باتت تشكّل الممر الإلزامي لأي تقدّم في ملف التوتر الحدودي، خصوصاً أن اللجنة تدخل مرحلة «اختبار النيات» الفعلية في اجتماعها المقبل في 19 الشهر الجاري، وتعدّ هذه المرحلة فاصلة لتحديد ما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيتجاوب مع الضغوط الأميركية الهادفة إلى خفض منسوب التوتر، تمهيداً لخلق بيئة مؤاتية لإحياء المفاوضات بجدّية أكبر، وبانتظار أيضا نتائج اجتماعاته قبيل نهاية العام الحالي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وتبدي المصادر ارتياحاً لقرار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بتكليف السفير السابق لدى واشنطن سيمون كرم برئاسة الوفد اللبناني في مفاوضات «الميكانيزم»، وهو قرار لاقى ارتياحاً أميركياً واضحاً أيضاً، عبّرت عنه مورغان أورتاغوس خلال لقاء وفد السفراء مع المسؤولين اللبنانيين، مؤكدة أن وجود شخصية مدنية على رأس الوفد اللبناني «يسهم في تطرية الأجواء وخلق مناخات مريحة لاتخاذ قرارات»، وهو تحوّل لافت مقارنة بالاجتماعات السابقة للجنة التي بقيت أسيرة المعادلات الأمنية الصلبة.

كما تشير المصادر السياسية إلى أن حضور كرم، ومعه المسؤول المدني الإسرائيلي الذي كُلّف برئاسة الوفد المقابل، جاء استجابة لرغبة أميركية صريحة في إبعاد الطابع العسكري عن طاولة النقاش، سعياً إلى إطلاق مسار تفاوضي أقل توتراً وأكثر قابلية للنجاح.

وفي موازاة المسار الدبلوماسي، يستكمل الجيش اللبناني خطته المتعلقة بسحب السلاح غير الشرعي وإعادة الانتشار جنوب الليطاني، وهي الخطة التي دخلت مراحلها الأخيرة وتُنتظر نهاية العام الجاري لإتمام مرحلتها الأولى.

وقد ناقش لودريان هذه الخطة أيضاً مع المسؤولين اللبنانيين، في ضوء حرص باريس على دعم الجيش بوصفه المؤسسة الأكثر قدرة على ضبط الاستقرار في الجنوب وطمأنة المجتمع الدولي. بالتزامن مع المعلومات التي تتحدث عن انعقاد اجتماع في باريس في 18 الحالي ويجمع لودريان ومستشارة الرئيس الفرنسي آن كلير لوجاندر والموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس والموفد السعودي يزيد بن فرحان وقائد الجيش اللبناني للتحضير لمؤتمر دعم الجيش المرتقب في مطلع السنة المقبلة.

وفي المحصلة، فإن لبنان يدخل مرحلة حسّاسة تتطلب توازناً دقيقاً بين التفاوض والجهوزية، إذ تتقاطع رسائل الدعم الدولي مع الحراك الدبلوماسي المتسارع والوقائع الأمنية الدقيقة جنوبيّاً.

وتبدو لجنة «الميكانيزم» اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى لعب دور محوري في تحديد شكل المرحلة المقبلة، في وقت يراهن فيه المجتمع الدولي على قدرة لبنان على استكمال خطواته جنوباً، وعلى تجاوب إسرائيل مع الضغوط الأميركية، بما يسمح بخلق نافذة فرص قد لا تتكرر.

وفي هذا الإطار، يظل الدور الفرنسي عبر زيارات لودريان المستمرة حاضراً لتعزيز الثقة بقدرة لبنان على ضبط التوازن بين الأمن والتفاوض، وضمان أن يكون الجنوب نقطة استقرار لا مجال للتفلت فيها.

أخبار متعلقة :