كتب جوزيف حبيب في “نداء الوطن”:
فعلها الرئيس ترامب أخيرًا. أثمرت ضغوطه وجهوده بالتعاون مع الوسطاء، اتفاقًا تاريخيًا لوقف النار وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين، تنفيذًا لـ “المرحلة الأولى” من “خطة ترامب” لإنهاء حرب غزة. إنها بداية – نهاية “حرب السنتين” التي تفجّرت شرارتها فجر 7 أكتوبر 2023 حين شنت “حماس” هجومًا دمويًا مباغتًا على غلاف غزة، خطفت خلاله 251 رهينة واقتادتهم إلى داخل القطاع. تُختتم في الأيام المقبلة أزمة الرهائن الإسرائيليين، الذين سبق أن أفرج عنهم وحرّر قسم منهم، كما قتل قسم آخر، من دون أن تطوى معها صفحة مأسوية بلغت ذروتها بـ “طوفان الأقصى”، حتى إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، الذي قد لا ينتهي أبدًا.
يريد الرئيس الأميركي إسكات صوت المدافع بشكل نهائي. راهن كثيرون سابقًا على نجاح ترامب في تحقيق ذلك مع انطلاق ولايته الثانية غير المتتالية، خصوصًا أن مساعيه بالتعاون مع إدارة بايدن، ساهمت بولادة هدنة دخلت حيّز التنفيذ في 19 كانون الثاني من هذا العام، أي عشية توليته رئيسًا. لا تخلو التطوّرات الإيجابية المتسارعة من لقطات ورموز ستدخل التاريخ، فمشهد همس وزير الخارجية ماركو روبيو في أذن ترامب أثناء لقاء يُبث مباشرة على الهواء أن الاتفاق بين إسرائيل و”حماس” بات وشيكًا، ذكّر المراقبين باللقطة الشهيرة يوم اعتداءات 11 أيلول 2001، حين همس كبير موظفي البيت الأبيض آنذاك آندرو كارد في أذن الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن: “اصطدمت طائرة ثانية بالبرج الثاني. أميركا تتعرّض لهجوم”.
يكمن الفرق بين اللقطتين بأن بوش الإبن أُخطر بتعرّض بلاده لهجوم إرهابي غادر، بينما تبلّغ ترامب نبأً تفاوضيًا سارًا مع دفع واشنطن في اتجاه السلام في الشرق الأوسط. انتقلت أميركا في المشهدَين من كونها في قلب الحدث الصادم إلى صناعتها الحدث المنتظر بفارغ الصبر. وما يزيد من الإثارة، أن هذه المستجدّات تحصل مع مصادفة موعد إعلان الفائز بجائزة “نوبل للسلام” اليوم. تفيد المعطيات بصعوبة نيل ترامب الجائزة المرموقة هذه السنة، لكن المراقبين يعتبرون أن ما طرأ على خطّ إنهاء حرب غزة يعيد خلط الأوراق، علمًا أن هذا الأمر يبقى مستبعدًا وفق معايير اللجنة النرويجية لجائزة نوبل. وكان معبّرًا اقتباس الرئيس المحافظ عبارة واردة في “إنجيل متى” ومنقولة عن لسان المخلّص يسوع المسيح: “طوبى لصانعي السلام” في ختام منشور له يُعلن فيه التوصّل إلى اتفاق.
عمّت أجواء الفرح في قاعة المفاوضات في شرم الشيخ، وكان لافتًا تحديدًا تبادل التهاني والمصافحات والابتسامات بين وفود دول وسيطة والوفد الإسرائيلي. لكن الاحتفالات العفوية العميقة النابعة من المعاناة، شهدتها مناطق القطاع، حيث خرج الغزيون إلى الشوارع ورقصوا وغنوا وتنفسوا الصعداء باقتراب وضع الحرب أوزارها بعد 733 يومًا على اندلاعها، فضلًا عن “ساحة الرهائن” في تل أبيب. ورغم هذه الانفراجة، لا ينبغي الإفراط في التفاؤل، فطريق “خطة ترامب” طويل وتتخلّله مطبّات خطرة. فـ “حماس” سارت في الخطة مكرهة، وهي ما زالت ترفض نزع سلاحها وتشكيل “مجلس السلام” برئاسة ترامب. لهذا، ستظهر العوائق جلية مع توالي تنفيذ الخطة وبلوغ دور “النقاط” موضع الخلاف.
يسير ترامب بمقتضى منطق “الصفقة المتكاملة”، ما يصعّب قدرة الحركة على المناورة والانحراف عن خطته، ويؤكد الرئيس الأميركي أن “نزع السلاح” جزء من “المرحلة الثانية”، وهو سيعمل بمساعدة الوسطاء الآخرين على تذليل العقبات في كلّ مرحلة بغية إنجاز الخطة حتى خواتيمها، فيما لن تقبل الدولة اليهودية بـ “أنصاف الحلول” الأمنية بعد 7 أكتوبر، لكن نتنياهو يتعاطى بإيجابية لتجنب إغضاب ترامب وتحسين وضعيّته الشعبية الداخلية.
يشق ترامب مسار السلام في المنطقة المقرّر أن يزورها مطلع الأسبوع لتدشين “حقبة جديدة”. إلّا أن الرئيس الجمهوري يواجه تحدّيات جسيمة في شرق أوسط مشحون بالأحقاد وزاخِر بالتناقضات وتربته مهيّأة للاشتعال السريع. من غزة تدفقت حمم بركان الحرب، ومنها يجهد ترامب لإطلاق “قطار السلام”، بيد أن سكة هذا القطار في طور التركيب، كما أن المسار محفوف بالمخاطر ومزروع بالألغام. يبقى رجاء الرهائن والأسرى أن يعودوا إلى عائلاتهم، وصلوات الفلسطينيين والإسرائيليين أن يعيشوا بسلام عادل، أغلب الظن أنه بعيد المنال.