أخبار عاجلة

الممر الإيراني لتهريب السلاح إلى “الحزب”

الممر الإيراني لتهريب السلاح إلى “الحزب”
الممر الإيراني لتهريب السلاح إلى “الحزب”

كتب زياد البيطار في “نداء الوطن”:

في أعقاب التحولات الجيوسياسية العميقة التي أعقبت الحرب الإسرائيلية مع محور الممانعة في الشرق الأوسط، وسقوط النظام السوري في 8 كانون الأول 2024، تتجه إيران نحو إعادة صياغة منظومة دعمها لجماعاتها المسلحة في المنطقة وعلى رأسها “حزب الله”، في إطار خطة استراتيجية شاملة تهدف إلى إعادة بناء القوة العسكرية والتنظيمية لـ “الحزب” وتعويض الضربة التي أصابت الشريان اللوجستي الذي كان يربط طهران ببيروت عبر دمشق.

تسعى طهران من خلال هذه الخطوة إلى ترميم محورها عبر ممرات بديلة بحرية وجوية، تتيح لها تجاوز العوائق السياسية والجغرافية التي فرضها المشهد الإقليمي الجديد بعد انهيار الحلف السوري – الإيراني، وتراجع نفوذها في بلاد الشام.

وجود ميداني إيراني في لبنان بإشراف الحرس الثوري

من حيث الشكل، تفيد مصادر متابعة بأن مستشارين من الحرس الثوري الإيراني وصلوا إلى لبنان في أعقاب الحرب، وهم يعملون عن قرب مع كوادر “حزب الله” في جهود منظمة لإعادة بناء القوة العسكرية والهيكل المدني لـ “الحزب”. وتركز هذه الجهود على تعزيز القدرات القتالية والتنظيمية، إلى جانب إعادة هيكلة المنظومة اللوجستية والمالية بالإضافة إلى تقييم وتحليل أسباب فشله في بعض الجوانب العملياتية.

في البنية الإدارية والمالية، يساهم الحرس الثوري حاليًا في تعديل الهيكل التنظيمي والمؤسسات المالية التابعة لـ “حزب الله”، في إطار خطة تهدف إلى تقليل النفقات وتبسيط العمليات. ويعمل الإيرانيون تحديدًا على تطوير عدد من الوحدات الميدانية، أبرزها وحدتا “ناصر” و”عزيز” اللتان تنشطان في جنوب لبنان، إضافة إلى وحدة “حيدر” في منطقة البقاع، فضلًا عن قوة “الرضوان” المعروفة بمهامها الخاصة.

أما في البنية العسكرية، فإنه داخل الهيكل التنظيمي لـ “حزب الله”، تظهر وحدات وأقسام عسكرية متطورة، درّبها وجهّزها بشكل مباشر الحرس الثوري الإيراني ومرتبطة ارتباطًا وثيقاً بـ “فيلق القدس”. ومن بين أبرز هذه الوحدات، الوحدة 190 التي تُعد الركيزة الأساسية في جهود إيران لمساعدة “حزب الله” على إعادة بناء قدراته بعد الحرب.

يتولى قيادة هذه الوحدة جبار حسيني، الذي عُيّن خلفًا لبهنام شهرياري الذي قُتل في ضربة إسرائيلية خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، في 21 حزيران، أثناء تنقله بسيارته غرب إيران.

تُعتبر الوحدة 190 مسؤولة عن تهريب الأسلحة والأموال والأفراد حول العالم لصالح النظام الإيراني، كما تشارك في عمليات تهريب النفط الإيراني عبر شركات واجهة مدنية وطرف ثالث، مستخدمةً مسارات برية وبحرية وجوية متنوعة.

وتفيد التقارير الأمنية بأن هذه الوحدة تستعين بالسفن التجارية المدنية والرحلات الجوية التجارية لنقل الأسلحة والتمويل، وأحيانًا تُخفي الشحنات داخل بضائع ومنتجات عادية أو إنسانية وطبية.

وفي السنوات الأخيرة، عملت الوحدة 190 على نقل الأسلحة والمال إلى الجماعات الموالية لإيران في العراق وسوريا ولبنان (“حزب الله”)، اليمن (الحوثي)، وبعض المنظمات المسلحة في فلسطين، وجبهة البوليساريو في الصحراء الغربية، فضلًا عن مجموعات مسلحة في السودان والقرن الأفريقي، وبعض المناطق في أميركا اللاتينية والوسطى.

أما في ما يتعلق بنقل المقاتلين إلى ساحات المعارك حول العالم، فتشير المعلومات إلى أن الوحدة تستخدم غطاءات دينية، حيث يتم نقلهم إلى سوريا كـ “حجاج” يزورون مواقع دينية، أو إلى العراق ولبنان وإيران كـ “طلاب علم أو دين”.

تعمل الوحدة 190 بشكل مباشر مع القسم 8000 في “فيلق القدس” الذي يقوده حسن حبيبي، وهو القسم المسؤول عن إنتاج الأسلحة والتدريب عليها، ودمج أنظمة الأسلحة بين الجماعات الموالية لإيران. ويُعرف عن هذا القسم أنه يختصّ بتطوير وتدريب وحدات الطيران المسيّر، الصواريخ الدقيقة، القذائف، وأنظمة الدفاع الجوي.

كما يتعاون القسم 8000 مع المؤسسات والشركات الإيرانية ذات الصلة بالصناعات العسكرية، ويعمل عناصره بالتوازي مع وحدات في “حزب الله”، أبرزها الوحدة 127 المختصة بالعمل العسكري عبر الطائرات المسيّرة، والدفاع الجوي، والصواريخ المضادة للسفن، والعمليات البحرية.

إلى جانب ذلك، تتعاون الوحدة 190 مع الوحدة 700 التي يرأسها غال فرسات، وترتبط ارتباطًا وثيقًا ومباشرًا بـ الوحدة 4400 في “حزب الله”.

وتُعدّ الوحدة 700 مسؤولة عن نقل المعدات اللوجستية، ولها علاقات مع كبار المسؤولين الحكوميين في لبنان والعراق وربما في دول أخرى.

انهيار الممر الإيراني

على مدى سنوات، شكّل الممر الإيراني الممتد عبر العراق وسوريا إلى لبنان أحد أهم ركائز المشروع الإيراني في الشرق الأوسط، إذ مثل بنية تحتية استراتيجية متكاملة تهدف إلى ترسيخ محور إقليمي عسكريًا وماليًا واجتماعيًا ودينيًا وأيديولوجيًا.

غير أن سقوط نظام الأسد أدى إلى انهيار هذا الممر الحيوي، ما أصاب قدرة إيران على نقل الأسلحة والتمويل إلى “حزب الله” في لبنان بالشلل شبه التام. وفي مواجهة هذا الانهيار، اضطرت طهران إلى إعادة حساباتها ومساراتها اللوجستية، وبدأت فعليًا التعاون مع “حزب الله” في رسم بدائل جديدة تضمن استمرار تدفق الدعم المالي والعسكري.

البحر عوضًا عن البرّ

تشير المعطيات الميدانية والاستخباراتية إلى أن طهران لجأت إلى اعتماد خيار الطريق البحري عبر مسارَين رئيسيين:

الطريق البحري المباشر، ينطلق هذا الخط من الموانئ الإيرانية، مرورًا بالبحر الأحمر وقناة السويس وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن هناك مباشرة إلى السواحل اللبنانية. ويُعد هذا المسار الأكثر وضوحًا من الناحية الجغرافية، لكنه الأعلى مخاطرة من حيث الرقابة البحرية الدولية.

الطريق البحري المشترك عبر السودان وليبيا أو مصر في المقابل، حيث  تراهن طهران على خيار أكثر مرونة وأقل انكشافًا، يقوم على الاستفادة من حالة الفوضى الأمنية والسياسية في السودان لتعزيز حضورها هناك، معتبرة أن أراضيه يمكن أن تشكل منصة استراتيجية بديلة بعد انهيار الممر السوري. ويستند هذا المسار إلى تجربتها السابقة في استخدام السودان لنحو 15 عامًا كمنطقة عبور لتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، معتمدة على مسارَين محتملَين:

المسار المصري، ينطلق من السودان باتجاه الأراضي المصرية، مرورًا بشبه جزيرة سيناء وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط. وتستفيد إيران من الطبيعة الصحراوية الشاسعة والحدود غير المراقبة بين مصر والسودان، ما يوفر إمكانات واسعة لعمليات النقل السرية نحو الساحل.

المسار الليبي، ويُرجّح أن يكون هذا الخيار هو المفضل لدى طهران في المرحلة الحالية، نظرًا إلى حالة عدم الاستقرار الليبي. تمتد الحدود المشتركة بين السودان وليبيا بطول نحو 450 كيلومترًا، ومعظمها غير مراقب، ما يجعلها بيئة مثالية للتهريب.

وهنا يجب أن نذكر أنَّ خليفة حفتر يسيطر على شرق ووسط ليبيا، وهي المنطقة الأكثر احتمالًا لمرور العمليات الإيرانية، إذ يمكن أن يبدأ المسار من منطقة الحدود السودانية – الليبية، مرورًا بمدينة الكفرة ثم أجدابيا جنوب بنغازي. وتعزز هذا الخيار عوامل عدة أبرزها الدعم الروسي لحفتر، الذي يلتقي مع المصالح الإيرانية، إلى جانب قدرة طهران على العمل في مناطق مضطربة من دون تكاليف سياسية مباشرة. ويُفضل الإيرانيون انكشاف نشاطهم في ليبيا على مصر، لتجنب تداعيات سياسية وأمنية محتملة مع القاهرة.

آليات التهريب البحري

تُظهر تقارير أمنية أجنبية أن عمليات النقل البحرية يمكن أن تتم بطريقتين أساسيتين:

الوصول المباشر إلى المرافئ اللبنانية، وعلى رأسها مرفأ بيروت حيث يمتلك “حزب الله” فيه نفوذًا واسعًا.

أو التفريغ في البحر المفتوح، حيث تتوقف السفن الإيرانية أو المدنية المتعاونة في المياه الإقليمية اللبنانية، لتنضم إليها سفن تابعة لـ “حزب الله” لتنفيذ عملية التهريب “ظهر بظهر”، أو إسقاط الشحنات عبر عوامات بحرية تُجمع لاحقًا.

وفي هذا السياق، نذكّر بأنه في تشرين الثاني 2024 نشر تقرير أمني بشأن اعتقال عنصر “حزب الله” عماد أمهز في 31 تشرين الاول 2024، حيث أشار إلى إمكانية ضلوعه بالبنية البحرية السرية لـ “الحزب”. وأكد التقرير أن “حزب الله”، خصوصًا الوحدة 4400 المسؤولة عن نقل الأموال والأسلحة، بالتعاون مع الوحدة البحرية ووحدات من الحرس الثوري الإيراني، أنشأ بنية تحتية بحرية تعمل تحت غطاء مدني لتشغيل سفن تهريب. ويُعتقد أن أمهز كان عنصرًا محوريًا في هذه الشبكة، مكلفًا بتشغيل سفينة مدنية تعمل كواجهة لنقل الأسلحة والأموال إلى لبنان.

الطريق الجوي

إلى جانب المسارات البحرية، تواصل إيران استخدام الطريق الجوي لتهريب الأموال المخصصة لـ “حزب الله”، في ظل غياب رحلات مباشرة بين طهران وبيروت. وتتم العمليات عبر مسارَين تجاريين رئيسيين: إيران، العراق، لبنان، وإيران، تركيا، لبنان. ويتم تنفيذ التهريب عبر ركاب مدنيين مجهزين مسبقًا من قبل “فيلق القدس” الإيراني، يحملون حقائب تحتوي على مبالغ مالية كبيرة تُعد لتبدو كأمتعة عادية في الرحلات التجارية.

“حزب الله” يعيد بناء قدراته… تل أبيب تلوّح بهجوم وقائي

في ظلّ اتخاذ قرار حصر السلاح غير الشرعي في لبنان من الحكومة، أفاد مسؤولون أميركيون وإسرائيليون بأن “حزب الله” يعمل حاليًا على إعادة بناء قدراته العسكرية، حيث أوضح مسؤولان أمنيان إسرائيليان أن إسرائيل تعتبر هذه التحركات انتهاكً لوقف إطلاق النار، وهو ما سيدفعها إلى تكثيف هجماتها. وفي السياق نفسه، أشار الجيش الإسرائيلي إلى أن “حزب الله” لا يزال يحتفظ ببنية تحتية عسكرية، ويواصل محاولات تهريب الأسلحة والانخراط في تدريبات عسكرية مستمرة، معتبرًا أن هذه الأنشطة تشكل خروقات واضحة لوقف إطلاق النار. أما من جهة المستوى السياسي في إسرائيل، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، صرّح بالقول: “إن بعض أعدائنا يحاولون إعادة بناء أنفسهم لمهاجمتنا من جديد، وكما نقول، نحن نتابع الأمر”.

وعقدت في تل أبيب اجتماعات عدّة لدراسة الوضع المتعلق بشأن الجبهة الشمالية مع لبنان بالإضافة إلى عملية نزع سلاح “حزب الله” ومدى جدية الدولة بتطبيق هذا القرار، وكان أبرز تلك اللقاءات بين المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس والمسؤولين الأمنيين، بالإضافة إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي ورؤساء الأجهزة الأمنية، حيث أدرجتها الحكومة الإسرائيلية تحت بند البحث بتعاظم قوة “حزب الله” في لبنان.

وعقب الإجتماع الوزاري – الأمني الإسرائيلي تبيّن أن قرار مهاجمة “حزب الله” في لبنان مستمرّ وبفعالية أكبر، إذ أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأنه “ليس من المستبعد أن يخرج الجيش الإسرائيلي بهجوم وقائي على “حزب الله” الذي يزداد قوة وبدأ في ضخ أسلحة إلى مناطق واسعة في الجنوب والبقاع”.

نصيحة إيرانية… حركة “أمل” و”حزب الله” في العراق

أما من جهة “حزب الله”، فتشير المعلومات الواردة إلى أن الموفدين الإيرانيين إلى بيروت أوصلوا إلى “الحزب” إشارة مفادها أنّ مصلحة “الحزب” في المرحلة الحالية تقتضي التركيز على إعادة البناء والتعافي العسكري، وتجنب القيام بتحركات عسكرية ضد إسرائيل. كما أكّدت المعلومات أن “الحزب” على الرغم من التحذير الإيراني، يمتلك القدرة العملياتية اللازمة لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل بمختلف الأشكال في حال اتخذ القرار بذلك.

وفي السياق، شهدت بغداد مؤخرًا مؤشرات قوية على تعزيز التنسيق السياسي والاستراتيجي والعقائدي بين القوى الشيعية في لبنان والعراق بمباركة إيرانية، من خلال محادثات بين وفدي حركة “أمل” و”حزب الله” مع قيادات الإطار الشيعي والفصائل الشيعية في العراق. ووفقًا للمعلومات، أصبح الملف اللبناني يمثل أولوية استراتيجية للقوى الشيعية العراقية، حيث تبلورت قناعة بأن نزع سلاح “حزب الله” في لبنان قد يؤدي إلى تحجيم الفصائل العراقية وصولًا إلى إمكانية نزع سلاحها أيضًا. لذلك، ترى الأطراف الشيعية في كلا البلدين أن دعم الطرف الآخر أصبح ضرورة لمواجهة التحديات الداخلية والإقليمية، وأن الطرفين باتا في خندق واحد ومعركة وجودية مشتركة.

من هنا بات مصطلح “الصبر”، الذي يُنسب إلى “حزب الله”، تعبيرًا صريحًا عن وضعه الحالي ومصلحته الداخلية الواضحة في التركيز على إعادة بناء قوته، ودلالة على مسؤولية استراتيجية إقليمية خدمةً للمحور الذي ينتمي إليه.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق انقسام سياسي حول موقف رئاسة الجمهورية
التالى حين يُغازل “الحزب” بعبدا يشدّ الدولة إلى الغرق