كتب جورج حايك في “المدن”:
لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات النيابية المتوقّع إجراؤها في ربيع 2026. وتستعد “القوات اللبنانية” لهذا الاستحقاق، بالرغم من الجدل المحتدم حول التعديلات المطروحة على قانون الانتخابات، ولعلّ أبرزها إلغاء المادة 112 لمصلحة تصويت غير المقيمين في لبنان لـ128 نائباً. وتقود “القوات” هذه المعركة وسط رفض شديد من “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحر“.
وبالرغم من ضبابية المشهد، تصرّ الحكومة على إجراء الانتخابات في موعدها وبالقانون النافذ. وقد بدأ اللبنانيون المقيمون في الخارج تسجيل أسمائهم، لذلك لم تتوقّف “القوات” عن السعي إلى رسم ملامح تحالفاتها للمعركة المقبلة. وبالرغم من التكتم الواضح داخل “القوات” حول الأسماء التي تنوي التحالف معها، بسبب الطبيعة الاستراتيجية للاستحقاق، فإن صحيفة “المدن” تمكّنت من كشف بعض اتصالات الحزب مع قوىً سياسية في الدوائر الخمس الكبرى، والاتجاه العام الذي يعتمده الحزب الأقوى على الساحة المسيحية.
من الواضح أن “القوات” تعتمد في كل استحقاق انتخابي على استطلاعات رأي، لاختيار شخصيات يمكن أن تتحالف معها بعد التأكد من توجّهاتها السياسية؛ إذ إنها لا تؤيد التحالفات الموضعية العابرة، بل تفضّل أن تكون على قاعدة سياسية ثابتة منسجمة مع ثوابتها السيادية والإصلاحية.
لا شك أن تغييرات ستطال بعض الوجوه في تكتل “الجمهورية القوية”، لضمان الفوز في بعض المناطق، وإن لم تكشف أوساط “القوات” عن نسب هذه التغييرات. وسيُعتمد التوازن بين مرشحين حزبيين من جهة، ومرشحين مستقلين متحالفين مع “القوات” من جهة أخرى.
تحالفات البلدية ستستمر في النيابة
وكشفت أوساط قواتية أن بعض التحالفات التي بدأت في الانتخابات البلدية ستستمر في النيابية، ولا سيما مع “الكتائب اللبنانية” و”الوطنيين الأحرار”، لكن هذا الأمر ليس جامداً؛ بل متحركاً وفق طبيعة المعركة والمقاعد في كل دائرة. ففي بعض الأحيان يكون من الأفضل أن يخوض كل حزب المعركة منفرداً وفق القانون الحالي.
ونبدأ جولة سريعة على الدوائر الكبرى والصغرى، ففي بيروت مثلاً، من المتوقّع ان يكون هناك تحالف بين “القوات” و”الكتائب”، ولن تتوقّف الاتصالات بالنائب فؤاد المخزومي، مع انفتاح القوات على كل القوى التي تنسجم مع خطّها السياسي.
في طرابلس، تستمر “القوات” في تحالفها مع اللواء أشرف ريفي وعثمان علم الدين. وليس بعيداً عن عاصمة الشمال، هناك اتصالات مع 6 شخصيات سنيّة في عكار، والمعركة حساسة هناك، خصوصاً أن “القوات” لم تستطع إيصال أي نائب في انتخابات 2022.
وتبدو “القوات” مرتاحة في عرينها الشمال الذي يتوزّع على بشري والكورة وزغرتا والبترون، وبالرغم من خوضها الانتخابات البلدية في زغرتا مع النائب ميشال معوّض، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكونا في مركب واحد في الانتخابات النيابية، ولا مؤشّر إلى ذلك حتى الآن.
من جهة أخرى، هناك توقّعات متفائلة على صعيد استرجاع المقعد النيابي الثاني في بشري إلى جانب النائب ستريدا جعجع، أما معركتها في الكورة فستكون تقليدية من حيث التحالفات، لكن قد تطرأ تغييرات قبل موعد الاستحقاق، إلا أن أي تحالف لن يخرج عن إطار الشخصيات السيادية هناك. وفي البترون، تتجه “القوات” إلى التحالف مع مجد حرب نتيجة التناغم السياسي العميق بين الطرفين، وستكون إمكانية الفوز قويّة في ظلّ خروج رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، بعد أن أعلن عزوفه عن الترشّح في إطلالات اعلامية سابقة.
وليس سراً توجّه “القوات” في كسروان للتحالف مع فؤاد غانم البون، الذي سبق أن تعاونت معه في الانتخابات البلدية وحققا نتائج جيّدة، وليس معروفاً بعد من سيلتحق بهذا التحالف.
على صعيد المتن، هناك اتصالات بين “القوات” والكتائب”، وقد زار معاون رئيس “الحزب” سيرج داغر معراب حيث التقى برئيس “القوات” سمير جعجع، وبدت هذه الزيارة لافتة في توقيتها بالتزامن مع الحديث عن الانتخابات، والتنسيق في كل الخطوات حتى آخر الاستحقاق. ولن يكون مستغرباً أي تعاون لـ”القوات” مع الأرمن بكل أحزابهم، خصوصاً أن العداء لم يعد موجوداً مع “الطاشناق”، ولا شيء يمنع من التعاون الانتخابي بينهما.
الخرق للثنائي في بعبدا
قد تكون أم المعارك هذه المرة في قضاء بعبدا بين الفريقين السيادي والممانع، وحتماً فإن القوات ستحشد كل حلفائها لتحقيق خرق في الجسم الحزبي الشيعي، ولا شك في أن التحالف القواتي-الكتائبي_الأحرار_الاشتراكي، سيكون كبيراً وفعالاً.
وهذا التحالف سيتمدد إلى عاليه والشوف، وقد سبق لـ”القوات” أن تعاونت مع “الحزب التقدمي الاشتراكي” في الاستحقاقات السابقة، وقد حققا النتائج المرجوّة.
ولن تختلف تحالفات “القوات” في زحلة عن انتخابات 2022، وربما يطرأ عليها بعض التغييرات على صعيد “الكتائب”، علماً أن “القوات” حظيت بزخم قوي في الانتخابات البلدية الأخيرة في زحلة. وستتحالف مع شخصيات محلية سنيّة وشيعية لها وزنها في زحلة.
أما في البقاع الغربي فسيكون أيضاً التحالف مع “الاشتراكي”. وقد بدأت الاتصالات مع شخصيات شيعيّة في دير الأحمر-بعلبك، لكن من الباكر جداً اتخاذ قرارات بشأن التحالفات.
بالنسبة إلى جزين وصيدا، تنتظر “القوات” ما قد تبادر إليه النائب السابق بهيّة الحريري، لتبني على الشيء مقتضاه وهناك إمكانية للتحالف معها، وستكون المنافسة قوية مع خصومها “التيار الوطني الحر” وابراهيم عازار.
وستخوض “القوات” المعركة الانتخابية في مرجعيون ورميش عين إبل وغيرها من القرى الحدودية بجرأة هذه المرة، خصوصاً أن الناخبين في هذه المنطقة باتوا متأكدين أن لا بديل عن الدولة، لذلك ستختار مرشّحين يشبهون خطّها السيادي لخوض المعركة بوضوح، لكي يبقى لأهالي هذه البلدات شعور بأن أصواتهم لا تزال نافعة.
باختصار، بدأت “القوات اللبنانية” رسم خريطتها الانتخابية العامة، لكن كل شيء قابل للتعديل حتى اللحظة الأخيرة. طبول المعارك الانتخابية تُقرع انطلاقاً من معراب إلى مختلف أنحاء الوطن.