كتبت ماريانا الخوري في “نداء الوطن”:
في مشهدٍ مأسوي لا يشبه إلا مشاهد أفلام الرعب، هزّت جريمة مروّعة بلدة حارة الناعمة مساء الجمعة، حيث تحوّلت لحظات بسيطة من براءة الطفولة إلى فصلٍ دمويّ جديد من فصول الإجرام المتفلت والمتنقل في لبنان.
وفي التفاصيل الكاملة التي حصلت عليها “نداء الوطن”، تبيّن أن القاتل هو سوري – فلسطيني الجنسية، وأنه استدرج طفلين من جيرانه، هما صبي وفتاة، ليعتدي بعدها على الفتاة ويقتلها.
في المعلومات، أن عائلة الطفلين “ع. ن” البالغ من العمر 5 سنوات وشقيقته “خ. ن” البالغة من العمر 8 سنوات، أرسلتهما مساء الجمعة، إلى الدكان الموجود تحت المنزل لشراء بعض الحاجيات.
توجه الطفلان من منزلهما الكائن في البناية التي يسكنها المجرم نفسه، فاقترب منهما بخبثٍ وهو يتخفّى خلف ملامح جارٍ مألوف، وقال لهما: “تعوا، بدي اشتريلكن”.
وهكذا، وفي لحظةٍ واحدة، تركا براءتهما خلف باب المنزل، واتجها مع القاتل نحو المجهول.
كانت الساعة تقارب العاشرة ليلاً، انتظر الأهل عودة الطفلين، لكن الانتظار طال أكثر من المعتاد وبدأت عمليات البحث في أرجاء الحيّ، في الطرقات، بين منازل الجيران، وفي الدكان لكن لا أثر لهما.
عند الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، كان المشهد الصادم: عُثر على الصبي مبلّلاً بالماء، يترنّح بين الوعي والغيبوبة، قادمًا من جهة بحر الناعمة. لم يتمكّن الطفل من الكلام فورًا، كأن الصدمة سلبت منه صوته. لكن بعد ساعة من العثور عليه، تمتم بصوتٍ مرتجفٍ وبكلماتٍ قليلة كانت كفيلة بكشف الحقيقة: “هيدا اللي أخدنا… هيدا اللي أخدنا.”
تحرّك شباب الحي فوراً وقبضوا على القاتل وسلّموه إلى الأجهزة الأمنية. في البداية أنكر معرفته بما حصل، مدّعياً البراءة، لكنّ ملامحه كانت تكشف كذبه. استُدعي محقّق خاص دخل إليه بادّعاء أنه محاميه، ليبدأ ما يشبه لعبة نفسية تمكّن من خلالها من انتزاع الاعتراف الكامل.
فصباح السبت، اعترف المجرم بالتفاصيل أنه استدرج الطفلين إلى البحر، وأعطى الصبي قطعة شوكولا ليأكلها على الشاطئ، بينما أخذ شقيقته الصغيرة إلى الجانب الآخر. هناك، على رمال البحر المظلمة، اعتدى عليها جسديًا ثم قتلها ورمى جثتها. وعند نحو الساعة السادسة من مساء أمس، وُجدت الجثة قرب المكان الذي أشار إليه القاتل.
عند سؤاله في التحقيق عن سبب ارتكابه هذه الجريمة البشعة، أجاب بجملة لا يمكن لعقلٍ بشري أن يستوعبها: “كان نفسي فيها.”
اللبناني لم يعد يحتمل، الإجرام يضرب كل بيت والعدالة نائمة، لم تعد هذه الجريمة معزولة. فبين جريمة وأخرى، يتكرّر المشهد نفسه: قاتلٌ طليق، ضحيةٌ بريئة، وشرطةٌ تأتي متأخرة كعادتها.
لبنان اليوم يعيش مسلسل رعب يومي، حيث تتحوّل الشوارع إلى مسرحٍ للجريمة، والبطولة تُدفن قبل أن تبدأ. كنا نظن أن القصص المروّعة من هذا النوع لا تحصل إلا في الأفلام، لكنّ واقعنا تجاوز السينما قساوةً. في لبنان، البطل لا يُنقذ في النهاية كما في الأفلام… بل يُقتل. بينما الدولة تظهر في آخر الفيلم لإنقاذ البطل، الشرطة في لبنان تظهر بعد أن يكون كل شيء قد انتهى.
كم بعد من الجرائم يجب أن تُرتكب ليصحو الضمير الرسمي؟ لقد سئمنا من إجرام بعض السوريين والفلسطينيين في لبنان، وحتى من إجرام بعض اللبنانيين، ومن الحماية غير المفهومة التي تجعل المجرمين يسرحون ويمرحون بلا عقاب.
سئمنا من أن يكون لبنان مكبّاً لكل من لفظه القانون في بلده، نحن لا نعمّم، ولا نحاكم شعبًا بأكمله، لكنّ الحقيقة المؤلمة أنّ النسبة الأكبر من الجرائم البشعة الأخيرة ارتُكبت على أيدي وافدين لا رادع لهم، فيما الأمن اللبناني مكبّل والإجراءات غائبة.
متى تُعلّق المشانق ليكونوا عبرةً لغيرهم؟ متى يصبح الإعدام أو الأحكام القاسية وسيلة ردع حقيقية وليس عنواناً على الورق؟ العدالة لا تكتمل إلا حين يرى الناس المجرم يُحاسَب علناً، بلا تردّد ولا مجاملات.
ما حدث في حارة الناعمة ليس جريمة فقط، بل طعنة في قلب الإنسانية، فهل من يسمع قبل أن تسقط ضحية جديدة؟ إنّ ما يجري بات يستدعي أكثر من بيان استنكار، ويحتاج إلى فعل عدالة حقيقيّ، لا إلى بيانات تُكتب على الورق وتُنسى في اليوم التالي.




